دين و دنيا

الطموح فريضة إسلامية

ziad

الطموح فريضة إسلامية

بقلم : د. زياد موسى عبد المعطي//

الطموح وتحديد الهدف والغاية فريضة إسلامية، يدل على الطموح العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ، فيجب أن يكون منتهى الطموح والغاية الكبرى لكل مسلم هو دخول الجنة ، ولدخول الجنة يجب أن يكون طموح المسلم يرتكز على تحقيق أهداف في الدنيا يسعى لتحقيقها ، فالدنيا مزرعة الآخرة .

والجنة هدف كل مسلم ، وأمرنا الله عز وجل بأن نسارع بالأعمال الصالحة التي تدخلنا الجنة ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” ( آل عمران 133)

وأن نتسابق في الأعمال الصالحة لنفوز بدرجات أفضل في الجنة “ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ” ( الحديد: 21 )، ويقول الله سبحانه وتعالى “فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ” (البقرة: 148، والمائدة: 48)، و” أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ” ( المؤمنون: 61)

بل يجب أن يكون طموحنا في دخول الجنة طموح عالي، ونكون ذوي همة عالية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرشدنا أن نسعى ونطلب من الله أن ندخل الفردوس الأعلى، أعلى الجنان وتحت عرش الرحمن، فيقول ” إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ” (رواه البخاري).

وطريقنا إلى الجنة يكون بالأعمال الصالحات، والأعمال الصالحات ليست قاصرة على العبادات من صلاة وصوم وحج وغير ذلك بل يجب أن تكون حياتنا كلها لله، فيقول الله عز وجل لرسول الله ” قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الأنعام: 162)، فيجب أن نجتهد في الأعمال الصالحات، فالدنيا دار اختبار ودار عمل، فيقول الله عز وجل ” تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،‏ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ” (الملك 1-2)، ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” (التوبة: 105).

والعمل الصالح ليس مقصوراً على العبادات بل النية بإخلاص العمل لوجه الله تحول حياتنا كلها إلى عبادة، فالعمل واكتساب الرزق، وطلب العلم، وتناول الطعام، وحتى عندما يأتي الرجل أهله تحولها النية إلى عبادة، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” (رواه البخاري)، والنية هي ما وقر في القلب وصدقه العمل.

ويجب أن نتنافس في الخير، فيكون هناك تنافس في طلب العلم، وكذلك في اكتساب المال الحلال، فيقول صلى الله عليه وسلم “لا حسد إلا في اثنتين : رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال : ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل : ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل” (رواه البخاري)، والحسد هنا ما يسميه العلماء بالغبطة، أي تمني ما للغير مع عدم تمني زوال النعمة، أي ما يجب التسابق فيه القرآن والعلم النافع بصفة عامة وتعليمه للناس، وطلب المال من حلال، وإنفاقه في سبيل الله.

بل يجب أن يكون لدينا طموح أن تكتب لنا الحسنات بعد الممات، حيث يقول رسول الله صلى اله عليه وسلم “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له” (حديث صحيح، مجموع الفتاوى–ابن تيمية الرقم(1/191، فالعلم الصالح والصدقات والولد الصالح طريق لرفع الدرجات بعد الممات.

ولعمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه خامس الخلفاء الراشدين الذي ملأ الأرض عدلاً مقولة عن طموحه، قالها لرجاء بن حيوة (أحد العلماء والصالحين في عهده) فيقول “إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها“.

ويجب أن نجد ونجتهد في الحياة، وأن نقدم نماذج رائعة من النجاح في شتى ميادين الحياة، وأن نثق بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ويجب أن يكون شعار حياتنا “الأفضل لم يأتي بعد”، فلا يتوقف طموح الإنسان عند درجة معينة، وأن نعتبر الحياة مثل درجات السلم، نصعدها درجة درجة، وأن نسعى دائما للصعود لأعلى. وهناك حكمة إنجليزية عن الطموح تقول :No end for the sky” “، أي “لا نهاية للسماء”، ولذلك يجب ألا يكون لطموحك نهاية، كلما حققت نجاح فاطمح في نجاح آخر، ولا تجعل لطموحك سقفاً، ولا تجعل لطموحك نهاية، تماما مثل محاولة وصولك لنهاية السماء التي لن تستطيع أن تبلغها أو ترى نهايتها.

والطريق إلى الجنة طريق ليس سهل بل يلزمه التحلي بالعزيمة القوية والإرادة، فيقول رسول الله ” حفت الجنة بالمكاره . وحفت النار بالشهوات” (رواه مسلم)، وطريق تحقيق الأحلام والطموح مفروش بالشوك، وليس بالورود، يحتاج لعزيمة قوية وإصرار، وإلى بذل الجهد، والتغلب على المصاعب، فالطموح هو حلم نسعى لتحقيقه، وتحقيق الحلم يحتاج إلى المجهود والعزيمة والإصرار.

وكما قال أبو العلاء المعري :

و ما نيل المطالب بالتمني… و لكن تؤخذ الدنيا غلابا

وعن الطموح كتب الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدته إرادة الحياة :

إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ               رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر

وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ             وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر

وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ             يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر

فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ               وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر

وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ         وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر

وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ – لَمَّا سَأَلْتُ :         ” أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟

أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ           وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر

وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ           وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر

وإذا كانت الهمة عالية والطموح كبير والأحلام كبيرة فلابد من بذل مجهود كبير، ولابد من بذل الجهد والاجتهاد لتحقيق الأحلام والطموحات، وفي سبيل تحقيق الأحلام والأهداف يهون التعب والمجهود، فما أحلى النجاح بعد التعب، وما أحلى جني ثمار الاجتهاد، وكما يقولون “الكبار يحلمون أحلام كبيرة”، و”العظماء يحلمون أحلام عظيمة”، وفي ذلك كتب المتنبي أبيات من الشعر هي دليل للطموحين عبر الأزمان ترشدهم للأهداف والأحلام الكبيرة:

عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ   وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ

وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها   وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ

ويجب أن يكون الطموح فردي وجماعي، أي يجب أن يطمح الفرد في تحقيق أحلام ونجاحات كبيرة لنفسه ولأسرته، ومؤسسته التي يعمل بها، ولوطنه، وللأمة العربية والإسلامية، و أن نعمل جميعاً على تحقيق الخير للبشرية، وذلك لنحقق عمارة وخلافة الأرض التي أرادها الله حينما قال للملائكة “إني جاعل في الأرض خليفة“.

اللهم ارزقنا عملاً صالحاً متقبلاً، وارزقنا علماً نافعاً ينتفع به، وارزقنا مالاً ننفقه في سبيلك، وارزقنا ذرية صالحة، وارزقنا دخول جنتك في الفردوس الأعلى والنظر إلى وجهك يوم القيامة.

زر الذهاب إلى الأعلى
مستجدات