شيماء الأمغاري “نهى بريس”
كثيرون هم من يدمنون قراءة الجريدة ،و هم يرتشفون قهوتهم الصباحية بالمقهى بالمنزل أو العمل، لكن هناك منهم من يتجه مباشرة صوب العمود المعنون <الأبراج اليومية > و يبحث عن البرج الذي يتطابق و يوم ميلاده ،و كان شمس يومه ستشرق من خلال ما يخبره به برجه، فيحدد مسار حياته حسب الأنباء المذكورة، و يبرمج مزاجه حسب ما إذا كانت سارة أم سيئة ، فيقرا اسطر العمود بلهفة و تطلع كبيرين ،فتتسع مقلتاه و ترتسم البسمة على شفتيه، إذا زف له برجه خبرا سارا، كاليوم ستلتقي بحبك الأول أو ستتلقى ترقية في عملك … و يتجهم و تكفهر الدنيا سوادا في عينيه و يمضي يومه في تشاؤم تام، إذا كان البرج يحمل خبرا سيئا، فتجد الساذجين ممن يصدقون القوى السحرية للأبراج يمضون اليوم في انتظار ما وعدتهم به بسذاجة كبيرة.
فاغلب من يدمنون قراءة الأبراج هم أشخاص يبحثون عن الطمأنينة و لو كانت زائفة، يتوقون دائما لتوقع مجريات يومهم و لديهم هوس لتوقع المستقبل الذي يشعرون بالخوف اتجاهه، فتجدهم يبحثون عن بصيص أمل يقودهم في الطرقات المتشعبة و الملتوية في الحياة ،و يقومون بمحاولات يائسة للمضي في هذا الطريق أو ذاك، ثم يفقدون القدرة على فهم العالم ،عندما يجدون أنفسهم فجأة مرة أخرى أمام أبواب مغلقة ، فيبدؤون بالبحث عن بدائل حتى في أسخف الأشياء الصغيرة ،و كأنه بقراءة أسطر برجه، يقتنص جزءا من حياته التي يترقب أن يعيشها و مصيره، و هو أمر قد يجعله مقيدا في تصرفاته اليومية فيصبح البرج هو المحدد لمزاجه و تصرفاته داخل محيطه سواء مع أهله أو رفقة أصدقائه، و قد يتطور الأمر فيصبح البرج هو من يقرر علاقته بالآخرين، فإذا جاء فيه مثلا احذر من احد أصدقائك، تجده قد أصبح متشككا حتى في اقرب رفاقه، و قد يقطع علاقته به دون أي سبب مقنع .
إن الإدمان على قراءة الأبراج يجعل قارئه أرضية خصبة لتقبل ما تنبئه به ،مما يؤثر سلبا على إرادته ،فيتقمص الشخصية حسب المحددات و الصفات التي يحددها برجه، فيصبح إنسانا مسلوب الإرادة و مبرمجا مسبقا من طرف برجه ، و قد تتأثر صحته و سلامته النفسية و الجسدية فيحتاج في هذه الحالة لاستشارة طبيب نفسي .
و لا ننسى أن الإعلام بدوره كرس الأبراج و قدرتها على التنبؤ ، و أخرجها عن نطاقها العلمي، ليعطيها صبغة الخرافة مستغلا رغبة الناس في استشفاف المستقبل ،ليتم نشرها على نطاق واسع ،فنجد اغلب الجرائد تكرس صفحة خاصة بالأبراج و القنوات الفضائية التي تمطرنا بوابل من التنبؤات و التوقعات ، موهمين الناس بقدرة الأبراج على البوح بأسرار المستقبل، مستغلين عقولهم البسيطة من اجل إغراقهم في الخرافة و الأساطير مما يؤثر سلبا على تقدم المجتمع و تطوره .