لكل منا صديق رافقه في مرحلة الطفولة و صنع رفقته خزانة من الذكريات الرائعة التي نبتسم كلما سافرت بنا الذاكرة لذاك الطفل الذي كنا عليه بعفويته و شغبه و بساطته رفقة رفيق ما نقضي معه معظم الأوقات نفكر خلالها كيف نستمتع بوقتنا فيبدأ التخطيط لصناعة المرح فيبتكران معا السبل لتحقيق ذلك فالعديد منا يتذكر كيف كان يزعج الجيران رفقة أصدقائه من خلال طرق الباب و اللدود بالفرار أو اقتحام حديقة رجل عجوز انتقاما منه لأنه كان يمنعكم من الاقتراب منها أو اللعب بكرة القدم في وقت القيلولة فتشنف أسماعكم بكل أنواع السب و الشتم من السكان الغاضبين فيخرج احدهم و يمزق الكرة بسكين حاد فترشقون نافذة بيته بحجارة ضخمة انتقاما منه .
أما أنا فصديق طفولتي لم يكن يقطن بحينا و لم التقه قط و ليس من نسج خيالي و لم يكن من نفس سني لكن قلبه الطفولي جعلني متمسكة به لا أفارقه أبدا و لا يغمض لي جفن ما لم امسكه بين يداي الصغيرتين اقلب صفحاته بإصبعي الصغير مهتمة بتفاصيله الكبيرة و الصغيرة .
لم تكن الكلمات ومعانيها قد اختمرت بعد في ذاكرتي الصغيرة فقد كنت حديثة العهد بعالم اللغة اكتشفها من خلال تهجئ الحروف محاولة وصلها ببعضها البعض فقد كنت أشبه الطفل الذي يتمسك بآي شيء أمامه محاولا الوقوف على رجليه فكنت أتلعثم تارة و أخطئ النطق و تارة أخرى أصيب القراءة حتى أتقنتها فبدأت رحلتي في عالم المطالعة من خلال عالم صنعه صديقي عطية الابراشي .
كنت في العاشرة من عمري عندما أهدتني والدتي الغالية أول قصة للكاتب عطية الابراشي فاكتشفت من خلاله متعة القراءة و السفر في عالم الخيال أجوب بين قصور الأميرات و الغيلان الأشرار وتعويذات الساحرات و ثنائية الخير و الشر التي تنتهي بانتصار الحق دائما .
فكنت أطلق العنان لخيالي الواسع أسافر كل ليلة في مغامرة جديدة حتى أدمنت قصصه التي كنت اقرأها بشغف كبير و أقبل عليها بنهم و لا اتركها حتى أكمل قراءة آخر حرف منها فنسجت بيني و بين كاتبها علاقة صداقة قوية فقد أحسست من خلال قصصه انه يفهم عالمنا الطفولي ببراءته و بساطته فكانت كقطعة السكر التي تحلي عالمي و توقد بداخلي شعلة من الأحلام الوردية و تجعل خيالي خصبا .
فعلى الرغم من كون القارئ الطفل صعب الإرضاء إلا أن الكاتب عطية الابراشي تمكن من اقتحام عالمه و الولوج لذهنه الصغير ليجعل منه أرضا خصبة يعمرها بشخصياته الوهمية و الممتعة و التي تتلاءم مع روح الطفل الخلاقة و البسيطة و الباحثة دائما عن المغامرة و التشويق .
شيماء الامغاري “نهى بريس”