رضوان المسكيني
يعمل الإنترنت بشكل كبير، على إعادة تشكيل أنماط الاتّصال ومشاركة المعلومات في المستوى الشّخصي والمهني والاجتماعي. فالخدمات المبتكرة والبرامج المتنوّعة أصبحت باعثًا على أشكال جديدة من التّعاون والتّواصل الاجتماعي والتعبير الخلاّق. ولا شكّ أنّ المجتمعات في تفاعلها المتبادل هذا عبر الإنترنت تُقدِّم لنا نموذجًا عالميًّا في طبيعته، وتوفِّر أمامنا فرصًا فريدة لمشاركة وجهات النظر الإنسانية وتجاربها بأسلوب “محرّر من القيود والعراقيل القُطريّة.
تشير المواثيق الدولية إلى أنّه لا يُمكن تحقيق السّلام والرخاء إلاّ بتعاون حقيقي عالمي مشتَرَك بين كافّة أفراد الأسرة الإنسانيّة. ومن الواضح أنّ تِقَنيّة الإنترنت أخذت خدماتها تتزايد في مساعدة شعوب العالم على التعبير عن جميع احتياجاتهم ورغباتهم وعلى هذا الأساس يجب الاندماج في هذا العالم الجديد.
لقد مُنح الجنس البشريّ اليوم الوسائل الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تجمّعت نتيجة النُضج المستمر في الوعي والإدراك. وإذا أمعنا النّظر، نجد أنّ تلك الوسائل التي تمنح الإنسان القدرة من الممكن توفّرها لكلّ سكّان الأرض دون اعتبار للعرق أو التراث أو الوطن.
وفي هذا السياق، يبدو أنّ الإنترنت ماضٍ في طريقه في إحداث تغييرات عميقة في العلاقات الإنسانيّة ـ علاقات تطال الأفراد والعائلات وأماكن العمل والمؤسّسات العامّة وحتّى الشّؤون الدوليّة. وهي ظاهرة توضِّح كيف أنّ “الثّورات في العلوم والتقنيّة لا تُغيّر الأداء فقط بل تغيّر مفهوم المجتمع، وفي الحقيقة مفهوم الوجود نفسه أيضًا.
فما ماهي شبكات التواصل الاجتماعي ؟ وكيف يمكن لنا استخدامها بأسلوب آمن ؟
إنّ بروز شبكات التّواصل الاجتماعي عبر الإنترنت ربّما يكون أحد أكثر أوجه الإنترنت استحواذًا للاهتمام. إذ يُشار إليها في بعض الأحيان على أنّها “مجتمعات افتراضيّة” أو “شبكات الإنترنت العاملة”.
إنّ شبكة التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت ما هي إلاّ شكل من أشكال المجتمع التي أنشأها نظام الحاسوب على الإنترنت. والعنصر الرئيسي فيه أنّ نوعًا من المجتمع أو المزاملة الإسميّة يتم تأسيسه. وفي بعض الحالات، فإن الهدف الرئيس من إيجاد مواقع مثل:
Facebook، My space، Orkut، Hi5، Linkedln، Twitter و Ning
هو تأسيس مجتمعات . وفي المشاريع التعاونيّة من قبيل ” ويكبيديا” والبيئات الافتراضيّة مثل”سكوند لايف”
فإنّ مجتمعات التفاعل المتبادَل عادة ما يتم تطوّرها بسعي مشاركيها نحو هدف عام مشترك. فمساحات المشاركة المتنوّعة تلك إنّما توفّر آليّة للاتّصال وتبادل المعلومات بين الأفراد والجماعات والهيئات القادرة على تعزيز المهارات الاجتماعيّة والموارد والتعبير عن الذّات لدى المشاركين في تلك الشّبكات.
ومن تلك الاهتمامات المشتركة يمكن أن تنبثق مؤسّسات فرعيّة تعنى بكافّة أوجه المساعي الإنسانيّة تقريبًا، إلاّ أنّها في ظروف كثيرة، وبكلّ بساطة، تكمّل تلك العلاقات القائمة خارج الشبكة أو تعمّقها. فمن التعاون في إنتاج الوسائط المتعددة. عبر المناطق الزمنية إلى التعاون في فَهرَسَةِ المعلومات إلى الألعاب التي يشارك بها “عدد هائل من اللاّعبين، نرى أنّ شبكات الإنترنت الاجتماعيّة أصبحت قناة مميّزة للإبداع البشري والعمل الاجتماعي.
إنّ مدى اتّساع شبكات التّواصل الاجتماعيّة المتنوّعة وشدّة تعقيداتها وما ترمي إليه لهو أمر يعدّ مذهلاً. ففي بضع سنوات انضمّ إلى تلك الشبكات مئات الملايين من النّاس من أطراف المعمورة وأصبحوا مشاركين منتظمين فيها. فوتيرة التّسارع الاستثنائي في النّمو والإبداع هذه إنّما توحي بأنّ “شبكات التّواصل عبر الإنترنت ليست بِدعة استولت على هَوَس النّاس، بل هي نشاط تغلغل في صلب نسيج شبكة الانترنت العالميّة.
إنّ شبكات التّواصل الاجتماعي عبر الإنترنت تشبه في بعض جوانبها شبكات العلاقات الاجتماعيّة التي تنشأ وجهًا لوجه وعبر المزاملة الطوعيّة، كمؤسّسات العمل والمنظّمات الإنسانيّة والأندية والمدارس. وكنظائرها في العالم الحقيقي، فإنّ شبكات التّواصل عبر الإنترنت قادرة على خلق إحساس بالانتماء إلى المجتمع وتكوين هويّة مشتركة، وتعزيز روابط شخصيّة جديدة، وإحداث تأثير اجتماعي وأخلاقي، وترويج أهداف واهتمامات مشتركة. وكيفما كان الأمر فإنّ شبكات التّواصل الاجتماعي عبر الإنترنت لها ملامحها العديدة الّتي تميّزها:
• يمكن لشبكات التّواصل الاجتماعي عبر الإنترنت أن تتكوّن من عدد من الأفراد يفوق بكثير ما تتيحه العلاقات المباشرة وجهًا لوجه.
• إنّ الاتّصالات القائمة بين الأفراد غالبًا ما تُسجّل رقميًّا لمدّة غير محدودة من الزّمن، ويمكن فتح المجال أمام الآخرين للاطّلاع عليها.
غالبًا ما توفِّر شبكات التّواصل الاجتماعي معلومات حقيقيّة عن شخص ما أكثر ممّا توفِّره العلاقات المباشرة العَرَضيّة، بينما هي في الوقت نفسه غالبًا ما تقدّم معلومات قرينيّة أقلّ (من قبيل التلميحات الصوتيّة، ولغة الجسم، وتعابير الوجه).
هناك نوعان رئيسيّان من شبكات التّواصل الاجتماعي عبر الإنترنت: نوع يعرف فيه الأعضاء بعضهم البعض مباشرة أو بواسطة أصدقاء؛ وآخر يتألف من أفراد غير معروفين جاءوا من خلفيّات متنوّعة ومناطق جغرافيّة مختلفة. والمشاركون لا يعون في الغالب هذا الفرق تمامًا. وبسبب الطبيعة غير الرسمية والفورية لهذه الوسيلة، فإنّهم يعاملون الأفراد المجهولين وكأنّهم معارف حميمين فيولونهم ثقتهم بعيدًا عن الحكمة المطلوبة أو يعمدون إلى إعطاء معلومات عن أنفسهم تتجاوز ما يُنصَح به.
وعليه، فإنّه من الضروري عند التفاعل مع الآخرين “بالروح والرّيحان”، مراعاة الحيطة وحسن التقدير وعلى وجه الخصوص ينبغي :حث الشباب على مراعاة الحكمة فيما يتعلّق بالمعلومات المنشورة على صفحاتهم الشخصيّة، كما يجب توخي الحذر في قبول الدّعوات من أسماء غير مألوفة أو الانضمام إلى مجموعات لا يكون المرء متأكدًا منها؛ ويجب أن تكون المواد المنشورة والمحتويات الأخرى متّفقة ومعايير الوقار والدقّة. أمّا بالنسبة للأطفال، فيتعيّن على الوالدين أن يمارسوا حرصًا خاصًّا تجاههم فيما يتعلّق بشبكات التّواصل عبر الإنترنت.
فشبكات التّواصل الاجتماعي عبر الإنترنت إنّما تقدّم وسائل جديدة لحشد ” المواهب والقدرات لدى صفوف عامة الناس”. فإذا ما استُخدِمت بوعي وأسلوب متّزن، فإنّ خدماتها يمكن أن توفّر بيئة جديدة فعّالة في تقديم القيم والحقائق المكنونة داخل الجوهر الإنساني والتالي نصل إلى الاتحاد العالمي.
نهى بريس