موقف ديميستورا ياسادة ومقترحه تقسيم الصحراء ، قد يبدوا نشازا في واقع مكتسبات قضيتنا الوطنية ،لذلك لابد من التدقيق في ما جاء في قصاصة وكالة الأنباء البريطانية رويترز ، فالمبعوث الأممي تحدث عن فكرة العودة لطرح سابقه جيمس بيكر ، وفي ذات الفقرة من الإحاطة إلى رفض فكرة الاقسيم مع إشارته “رغم قبول بعض الأطراف بها.”
إن موقف ديميستورا اليوم ،يبدوا مشابها لموقف جيمس بيكر ،موقف علينا أن نسائل فيه الأمم المتحدة ، خاصة في ظل مكتسبات قضيتنا الوطنية والإجماع الدولي على مقترح الحكم الذاتي ، أن نسائها عن خبرة وكفاءة وجدية مبعوثيها للنزاع المفتعل من قبل الجزائر. ولفهم أكثر لابد من الإجماع أن لكل موقف سياسي عدة معاني، فقد يكون ظاهره شيئا آخر غير باطنه، ومسار الموقف ليس المقصود به اللحظة الراهنة للحدث، أو صورته الأخيرة الظاهرة فقط، بل المقصود به المعرفة والإلمام التاريخي، والوقائع الراهنة ذات الارتباط، بالإضافة إلى الإدراك بطبيعة الشخصيات والدول الفاعلة ذات الصلة بالحدث أو الظاهرة محل التحليل.
ومنهنا وجب الانتباه إلى الإحاطة المقدمة من المبعوث الأممي ديميستورا وليس فقط الوقوف على مجرد تصريح بموقع إخباري دولي .
فإحاطة مبعوث الأمم المتحددة في الصحراء ، ضمن فيها أبعاد الخطاب الملكي الذي تقدم به جلالته أمام البرلمان و الذي خصصه للصحراء ، وذكر بالموقف المغربي الرافض لأي مقترح خارج مبادرة الحكم الذاتي ، كما أشار إلى لقاءه بوزير الخارجية المغربي ، وهذا ما تضمنه الفقرات الأخيرة من إحاطته بخصوص النزاع الإقليمي المفتعل بالصحراء المغربية.
إن كل تحليل السياسي ياسادة ، في حقل العلاقات الدولية وأدوار مبعوثي الأمم المتحدة لمختلف نقاط النزاعات والصراعات الدولية ، يتضمن شقين أساسيين، يجيب كل واحد منهما على سؤال رئيسي، ولا يمكن وضع تصور سياسي لا يجيب عنهما فلأول مرتبط بالفهم الدقيق لمسار الأحداث، الثاني مرتبط بإدراك الأسباب الدافعة لهذا الحدث.
و تتركز هذه الأدوات في إدراك البيئة السياسية الدولية ببعديها الداخلي والخارجي وما يتحكم فيها من مفاهيم وآليات تصيغ الأحداث وتُنشأ القرارت بكافة أنواعها لاسيما ما يتعلق منها بالبحث عن الحلول السياسية التوافقية للنزاعات الإقليمية .
الأمم المتحدة إستفادت من نظرية تسمى التغيير المفهومي، اي تغيير المفاهيم لدى أدمغة الناس في اطار البنية المفهومية، وبذلك قدمت لنا الأمم المتحدة ترسانة من المصطلحات، شكلت الإطار النظري الناظم لكل ما له علاقة بالصراع في الصحراء المغربية، بل أصبحنا نقرأه من خلال شبكة المصطلحات التي أرستها منظومة الأمم المتحدة، وألزمت الأطراف بالتصرف والسلوك وفقها، دون تحمل عناء مساءلتها وتمحيصها على ضوء واقعنا الحي المباشر.
من هنا سنقف على مدى توفر رغبة حقيقية لدى هيئة الأمم المتحدة لإنهاء مشكل الصحراء المغربية المفتعل ، فبالعودة لبنية الأمم المتحدة الداخلية ، فإننا نجد أن المستفيد الرئيسي من هذا الصراع الذي طال امده هي الدول الخمسة الدائمة العضوية، مع ملاحظة التطور الحاصل في الملف خاصة بعد إعتراف عضوين من مجلس الأمن بسيادة المغرب على صحرائه ،الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ، وطرف آخر يتصور أنه المستفيد من تمطيط أمد النزاع وهو الجزائر، وهنا أحيلكم أعزائي على المقولة الشعبية التي تقول : ” الفايق حاضي العايق والدمدومة قاضي غراض” وإذا ما أسقطناها في دهاليز الصراع فإننا نترجمها كتالي المغرب حاضي الجزائر والأمم المتحدة قاضية غراض.
ليقودنا السؤال عن دور مبعوثي الأمم المتحدة بالصحراء ؟و أي تأثير لهم في القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص النزاع المفتعل .
الجواب ياسادة ، على السؤوالين يقتضي منا الوقوف على ثلاث مراحل تميز تعاطي المبعوثين الأمميين ، مع النزاع بالصحراء المغربية، أولهما المرحلة التأسيسية أو “جس النبض”، وهي المرحلة الفعلية لمسار المفاوضات والتي بدأت مع تعيين جيمس بيكر ، الذي قدم مشروع الاتفاق الإطار الشهير بــ”مخطط بيكر الأول” في يونيو 2001 واقترح أيضا مخطط السلام “مخطط بيكر الثاني”، وبعدها “بيكر الثالث” أو ما يطلق عليه في سحلات الأمم المتحدة “بالحل الثالث”، والذي ثم سحبه لعدم إمكانية إعتماده كأساس للتفاوض حول هذا النزاع.
لتتبعها المرحلة الثانية، والتي إتسمت بالواقعية والعقلانية والتي بدأت مع المبعوث الأممي بيترفان فالسوم ، والذي أكد و بعد مفاوضات و اتصالات مع أطراف النزاع ، أمام مجلس الأمن في سنة 2008، أن استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا وهدف لا يكمن تحقيقه .
والملاحظة فإن ماخلص إليه مجلس الأمن أعلاه من خلال طرح بيترفان فالسون أتخد كتوصية تبناها مجلس الأمن في قراره رقم 1813، حيث أكد على دعمه للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي، ودعا الأطراف إلى مفاوضات مكثفة وجوهرية والتحلي بالواقعية .
لتأتي مرحلة كريستوفر روس، الذي سحبت منه الرباط الثقة بعد انحيازه الواضح وغير المسبوق ودعمه الأطروحة الانفصالية.
وليحل محله المبعوث الأممي هورست كوهلر، لكن وفي أقل من سنة تقريباً على تعيينه ،إرتكب بدوره خطأ عدم إلتزام الحياد ،الأمر الذي عجل بتقديم إستقالته والتي إعتبرها البعض أنها كانت أقرب إلى الإقالة.
ديميستورا وقع في نفس خطأ سابقيه ليس فقط في عدم إلتزام الحياد حينما زار جنوب إفريقيا ، بل أعادنا سنوات إلى الوراء،من تاريخ نزاع الصحراء المغربية المفتعل ، وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الحالة في الصحراء الصادر بتاريخ 19 فبراير 2002، والذي أفاد بأن الجزائر وجبهة البوليساريو مستعدتان للمناقشة والتفاوض حول تقسيم الإقليم كحل سياسي للنزاع على الصحراء، أي خلال فترة المبعوث الأممي جيمس بيكر ،المقترح المرفوض طبعا والمستحيل التنزيل على واقع النزاع .
ختاما يا سادة ، يشكل بعد الصراع السياسي الإقتصادي ، من خلال الإستعراض السابق لمبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة ، وإحاطة ديميستورا ، ومواقف سابقيه من نزاع الصحراء ،وطبيعة علاقتهم بأطراف النزاع ، ومحيطه العام الإقليمي والدولي ، جزءا مهما فيما يقع اليوم في الأمم المتحدة، وقد يكون المحرك الرئيسي في المد التوسعي أو في إشعال فتيل الحروب و هو بعد الإقتصاد السياسي.
ومع ذلك فإن حصر التحليل السياسي على جانب الإقتصاد السياسي، دون غيره من أدوات التحليل يعتبر خللا سياسيا ، فثمة دوافع أخرى تحرك الإنسان فضلا عن الإقتصاد ، خاصة عند النظر لسياسات الدول الكبرى التي تتحرك بحزمة من الدوافع والمؤثرات.
فمع كون محرك الإقتصاد السياسي حاضرا في الأحداث إلا أن هذا لا يعني أن يكون هو الذي يحدد الموقف النهائي في التحليل السياسي ، فالأحداث السياسية قد يتحكم فيها الموقف المصلحي السياسي ، والصراع تتقاسمه عدة محركات، منها الإقتصاد ومنها الإرتباط التاريخي وغير ذلك من الدوافع.
وبالجمع بين البيئة الداخلية للأمم المتحدة والبيئة الدولية، وإسقاطهما في قالب المنطقة والأطراف المعنية، فإننا نقف على أن تقرير المصير سائر في طريق حكم ذاتي يمنح للمغاربة الصحراويين على إقليم الصحراء ، و في إطاره سيتمكنون من تدبير شؤونهم المحلية في مختلف المجالات،تحت سيادة المملكة المغربية.
هذا التصور على “أيديولوجيا الوحدة الترابية”، وعلى أساسه يتحقق التفاف شعبي، يحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني المطلوب .
ذ / الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
مترافع مدني عن قضية الصحراء المغربية.