جرت الثلاثاء 13 يناير كانون الثاني 2014، مراسم دفن الشبان اليهود الأربعة الذين قتلوا في الهجوم الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي في باريس. وفي يوم الإثنين كان الكنيس اليهودي في حي ماري الباريزي الذي يسكنه عدد كبير من اليهود، مليئاً بالناس. وقام وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف في زيارة للكنيس ظهر الإثنين بغرض التعبير عن ضمان الحكومة الفرنسية بحماية اليهود بعد الهجوم على متجر يهودي وعلى الصحيفة الساخرة “تشارلي إبدو”. بعد اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي صرح برنار كازنوف أن “4700 من الجنود ورجال الشرطة سيقومون بتأمين 717 دور عبادة ومدارس يهودية في فرنسا”.
ومن خلال أحاديثه داخل الكنيس مع اليهود حاول وزير الداخلية إعادة الأمل لليهود الذين يتملكهم شعور عميق بانعدام الأمن. وبعد اللقاء مع الوزير الفرنسي قال دافيد بوخبزة في تصريح لـ DW”إن الخوف بالنسبة لي كيهودي حاضر، لأنني في عام 2015 لن أستطيع دائما وضع الكيباه على رأسي، فحريتي الدينية أصبحت مقيدة”. فمنذ الهجوم على مدرسة يهودية في تولوز جنوبي فرنسا في عام 2012، أصبح دافيد بوخبزة يخفي الكيباه على رأسه تحت قبعة أو طاقية.
في مدينة تولوز، قتل إسلامي فرنسي وقتها أربعة أشخاص. ومنذ سنوات يتزايد وباستمرارعدد الهجمات العدائية ضد اليهود في فرنسا، كما تؤكد إحصائيات “المؤتمر الأوروبي اليهودي “.
ومنذ بداية الألفية الجديدة تضاعفت تلك الهجمات سبع مرات، ويعد الهجوم الأخير في باريس ذروة حزينة لتلك الهجمات. “نحن اليهود نعرف أننا هدف خاص، والحكومة لا تستطيع احباط تلك المخططات. فإذا كان هؤلاء الجناة ذئاباً وحيدة، فلا يستطيع المرء حمياتنا فعلاً”، على حد قول دافيد بوخبزة. وهذا ما يراه ايضا روغار كوكيرمان، الممثل الأعلى لليهود في فرنسا.
كوكيرمان الذي شارك في المظاهرة المليونية ضد الإرهاب في باريس لخص الأجواء في الجملة التالية: “نحن في وضع يعتبر حالة حرب”. هذا التحليل يتقاسمه أيضا زائر آخر للكنيس اليهودي في حي ماري الباريزي، وهو جونتان بيباس الذي يقول في مقابلة مع الـDW: “اليهود هم المستهدفون، لأنهم يهود، وأنا شخصيا أشعر بالأمان فعلاً، غير أن المجتمع اليهودي ككل يشعر بعدم الأمان”.
وتطالب المنظمات اليهودية في فرنسا منذ مدة بحماية أفضل من طرف الدولة، وأيضاً بمحاربة أقوى لمعاداة السامية، وبتعليم أفضل وبالضبط للشباب من العائلات المسلمة. وفي عدة مقابلات صحفية حذر روغار كوكيرمان بالفعل في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، من تفاقم الوضع. وحينها هاجم ثلاثة مراهقين زوجين يهوديين في مدينة كريتاي في الضاحية الجنوبية الشرقية لباريس. وتعرض الزوجان للإهانة وطلب منهم المال.
في فرنسا يعيش حوالي خمسة ملايين مسلم غالبيتهم معتدلون ومسالمون، ولكن وقعت هناك بعض التجاوزات. ورصد علماء الاجتماع الفرنسيون نوعاً من الإسلام المتشدد الذي يحظى بشعبية خاصة بين الشبان. غالبيتهم من أصول مهاجرة، حيث يلعب الإنترنت دوراً كبيراً في تطرفهم، حسب روغار كوكيرمان. ومن بين النماذج على معاداة اليهود، الفنان الفرنسي الساخر ديودوني، الذي عبر عن تعاطفه مع منفذي الهجوم على صحفيي “شارلي إيبدو”، ما دفع السلطات الفرنسية لفتح تحقيق معه.
ويعيش في فرنسا حاليا حوالي نصف مليون يهودي. وفي العام الماضي هاجر 7000 منهم إلى إسرائيل، وهو ضعف عدد الذين هاجروا إليها عام 2013، حسب احصائيات “الوكالة اليهودية الإسرائيلية”. وخلال العام الحالي يتوقع أن يصل عددهم إلى عشرة آلاف شخص، وهو عدد لا يشمل اليهود الفرنسيين الذين يهاجرون إلى الولايات المتحدة أو كندا. الأسباب وراء تلك الهجرة ليست دائما معاداة السامية، فالأزمة الاقتصادية تلعب دوراً في ذلك. وعبر عدد قليل فقط من اليهود علانية بعد الهجوم على المتجر اليهودي الذي خلف أربعة قتلى، عن رغبتهم في مغادرة فرنسا. لكن البعض يفكر أحيانا في هذا الموضوع، كما يقول دافيد بوخبزة.
من جانبه دعا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يهود فرنسا بشكل واضح إلى الهجرة إلى إسرائيل، أثناء زيارته للكنيس اليهودي الكبير في باريس بعد مسيرة يوم الأحد (11 يناير/ كانون الثاني 2015). وقال نتنياهو: “اليهود الذين يريدون المجيء إلى إسرائيل سنرحب بهم بأذرع مفتوحة، وبكل حرارة. وهم لن يأتوا إلى بلد أجنبي”. وزار نتنياهو الإثنين المتجر اليهودي وجدد فيه للحاضرين نفس ما قاله في الكنيس. غير أن الحاخام الأكبر لفرنسا لم تعجبه تلك الدعوة وقال للصحافيين: “نحن ساهمنا في بناء هذا البلد، وسنواصل بناءه، نحن نحلم باللغة الفرنسية، ونفكر باللغة الفرنسية”.
وتريد الحكومة الفرنسية وضع حد للجدل المتنامي بخصوص الهجرة أو البقاء. وسترى قوانين جديدة لمكافحة الارهاب النور قريبا. وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في معرض رده على عرض نتنياهو، إن “فرنسا بدون اليهود، لن تكون فرنسا التي نعرفها ونريدها”. و في الأيام الأخيرة سعى كل من مانويل فالس والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند جاهدين لإدانة واضحة لجميع أشكال معاداة السامية واتخاذ تدابير ملموسة. في ذلك الإتجاه ويرى ممثلو يهود فرنسا أن ذلك من شأنه إعادة بناء الثقة مرة أخرى.
وفيما يخص جثامين الضحايا يقول مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب، إن الضحايا اليهود للهجوم الإرهابي الذي شهدته باريس، سيدفنون في القدس وليس في فرنسا، تنفيذا لرغبة عائلاتهم.