د. زياد موسى عبد المعطي أحمد //
البكتيريا هي كائنات حية صغيرة الحجم لا ترى بالعين المجردة، ولكن نتمكن من رؤيتها باستعمال بالمجهر، وعندما تذكر كلمة البكتيريا يظن قطاع كبير من الناس أنها كائنات كلها ضارة بالإنسان،
حيث أن هناك العديد من أنواع البكتيريا تسبب أمراضاً للإنسان والحيوان والنبات، ولكن هناك أيضاً العديد من أنواع البكتيريا مفيدة، فمن هذه الأنواع المفيدة ما يستخدم في صناعة الغذاء مثل بكتريا الزبادي، ومنها ما يستعمل في التسميد الحيوي للنباتات، بل منه ما يعيش في جسم الإنسان والحيوان ويساعد في الهضم، وغير ذلك كثير من البكتيريا النافعة، وسوف أتطرق خلال السطور التالية للبكتيريا النافعة في مجال الطاقة.
البكتيريا قامت بدور أساسي في تكوين الوقود الحفري الذي تعتمد عليه البشرية الآن كمصدر رئيسي للطاقة، فالوقود الحفري “الفحم والبترول والغاز الطبيعي” هو في الأصل كائنات حية مدفونة في طبقات الأرض أو في قاع البحار والمحيطات، وقد تحولت أجسام هذه الكائنات الميتة إلى هذه الصور من الوقود بفعل الضغط والحرارة ونشاط البكتيريا عبر ملايين السنين.
وبفضل توفيق الله للعلماء يمكن الآن إنتاج أنواع مختلفة من الوقود بواسطة استخدام أنواع معينة من البكتيريا في أيام أو ساعات معدودة، أي أن البكتيريا تختصر الزمان وتستطيع أن تنتج مصادر للطاقة كانت تستغرق ملايين السنين في أيام أو ساعات معدودة هذا ما توصل إليه العلم الحديث.
وما دفع العلماء في العالم لاستخدام البكتيريا في إنتاج أنواع جديدة من الطاقة هو احتمالية نفاذ الوقود الحفري خلال عقود معدودة من الزمان، والتغيرات المناخية الناجمة عن العوادم الناتجة عن استخدام الوقود الحفري، وكذلك التخلص الآمن لبعض المخلفات التي تلوث البيئة باستخدامها كمصادر من مصادر الطاقة.
ويتم حالياً في الكثير من بلدان العالم إنتاج الغاز الطبيعي من القمامة، حيث أنه يمكن إنتاج الغاز الحيوي (البيوجاز) من القمامة فبعد استبعاد المخلفات المعدنية والزجاجية لإعادة تدويرها في الصناعة تستخدم المخلفات العضوية الأخرى في توليد البيوجاز وذلك بوضع هذه المخلفات في معزل عن الهواء مع إضافة أنواع معينة من البكتيريا، وكمية المخلفات التي ينتجها الإنسان حول العالم تبلغ أكثر من 6 مليار طن سنوياً يمكن أن تساهم بشكل كبير في حل مشكلة الطاقة إذا ما تم التوسع في توليد البيوجاز من القمامة، وبالفعل نجد أن هناك العديد من دول العالم تسير في هذا الاتجاه وتتوسع فيه.
وكذلك من المخلفات الزراعية يتم إنتاج الغاز الحيوي، حيث أنه باستخدام خليط من روث الحيوانات ومخلفات المحاصيل الزراعية يتم توليد البيوجاز، فعند خلط روث الحيوانات مع مخلفات الحقل مع الخلط بالماء بمعزل عن الهواء الجوي يحدث تخمر للمركبات العضوية بفعل أنواع متخصصة من البكتيريا موجودة في روث البهائم، حيت يتم إنتاج غازات الميثان بنسبة 50 إلي 70% وهو الجزء القابل للاشتعال في المخلوط كما ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20 إلي 25% بالإضافة إلي عدد من الغازات الأخرى بنسب قليلة مثل: الهيدروجين والنيتروجين واثأر من كبريتيد الايدروجين وهو الذي يعطي الرائحة المميزة للغاز.
كما يمكن إنتاج البيوجاز من مخلفات المحاصيل الزراعية بخلطها بأنواع معينة من البكتيريا “بدون الحاجة إلى روث الحيوانات” فقد نجحت تجارب في مركز البحوث الزراعية في مصر في استعمال المخلفات النباتية مثل قش الأرز في توليد البيوجاز “غاز الميثان” فباستعمال قش الأرز في كومات كبيرة في معزل عن الهواء وباستعمال نوع معين من البكتيريا تم إنتاج البيوجاز والجزء المتبقي يصلح سمادا عضويا جيدا. يتميز بأنه غني في محتواه من المادة العضوية والعناصر السمادية الكبرى والصغرى وبالكميات الملائمة فضلا عن احتوائه على الهرمونات النباتية والفيتامينات ومنظمات النمو وكذلك يخلو من الميكروبات المرضية واليرقات وبذور الحشائش التي تهلك تماما أثناء تخمر المخلفات العضوية مما يجعل منه سمادا نظيفا لا يلوث البيئة وليست له أي مخاطر عند استخدامه في تسميد جميع المحاصيل.
وكذلك يمكن انتاج الغاز الحيوي من مياه المجاري التي يمكن تخزينها في خزانات خاصة، وبفعل أنواع معينة من البكتيريا تتحول المواد العضوية (أي التي تتكون من مركبات أساسها عنصر الكربون) الموجودة في هذه المياه إلى البيوجاز الذي يمكن تجميعه لاستخدامه كوقود، بل وتترسب أيضاً رواسب بها بعض العناصر المفيدة يمكن استخدامها كسماد طبيعي والمياه المتبقية يمكن استخدامها لري أشجار بهدف إنتاج الأخشاب، أو نباتات تزرع من اجل إنتاج وقود حيوي كما سيأتي الذكر لاحقاً خلال هذه السطور، وهذه النباتات يمكن تسميدها بالسماد الذي ترسب خلال هذه العملية لإنتاج الغاز الحيوي.
والبيوجاز هو غاز الميثان، وهو غاز صديق للبيئة، وتتم الاستفادة به في إنتاج الطاقة الحيوية والكهربائية. والبيوجاز غاز غير سام وعديم اللون، وله رائحة الغاز الطبيعي وسرعة اللهب عند اشتعاله -35سم في الثانية، وهو أبطأ من الغاز الطبيعي مما يجعله بديلا أكثر أمنا منه، وتتراوح الطاقة الحرارية الناتجة عنه ما بين 5000 إلى 6000 كيلو كالوري للمتر المكعب. وإنتاج الكهرباء من القمامة ليس موضوع جديد في العالم، ففي الولايات المتحدة توجد تكنولوجيا توليد الكهرباء من القمامة منذ السبعينات، وتولد أوروبا أكبر نسبة من الغاز الحيوي أو الميثان المستخلص من النفايات أو مخلفات الحيوانات وغيرها من المواد العضوية.
وفي الآونة الأخيرة تناولت وسائل الإعلام موضوع إنتاج الوقود الحيوي من نباتات المحاصيل التي تحتوي على السكريات والنشويات، حيث أنه بفعل بعض الميكروبات يمكن إنتاج بيوفيول أو البيوديزل (الإيثانول) من هذه النباتات، ومن أشهر هذه المحاصيل قصب السكر الذي ينتج منه كمية كبيرة من الإيثانول على مستوى العالم، والدولة الأولى في العالم في إنتاج الإيثانول بهذه الطريقة هي البرازيل، وتتجه بعض الدول لإنتاج البيوفيول باستخدام بعض المحاصيل المهمة التي تستخدم في تغذية الإنسان وعلف الحيوان مثل القمح والذرة وقصب السكر وغيرها من المحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائي في العالم، ورفع أسعار هذه المحاصيل ويهدد بمجاعات للفقراء في العالم، وهذه الطريقة لإنتاج الوقود لها سلبيات أخرى منها أن العديد من الدول قد تقوم بإزالة الغابات ليتم زراعة محاصيل بغرض إنتاج البيوفيول مما يؤدي إلى تغيرات مناخية غير مرغوب فيها، كما تستهلك هذه النباتات كمية كبيرة من المياه، ومن المعروف أن كمية المياه العذبة الموجودة في الأرض محدودة، كما أنه من عيوب البيوفيول أيضاً أنه يتم استخدام كميات كبيرة من المبيدات لمكافحة آفات هذه النباتات المزروعة لهذا الغرض مما يزيد التلوث البيئي، ولذلك هذه الطريقة لإنتاج الوقود لا تمثل البديل المأمول للوقود الحفري من وجهة نظر البعض، ولكن يمكن استعمال هذه الطريقة في إنتاج البيوديزل باستعمال النباتات المصابة بأمراض نباتية ولا تصلح للاستعمال الآدمي ولا كعلف للحيوان كمصدر للبيوفيول فيتم الاستفادة من هذه النباتات بدلاً من حرقها، كما توصل العلماء في الولايات المتحدة إلى استعمال أنواع معينة من البكتيريا لإنتاج البيوفيول باستخدام المخلفات الزراعية، وكذلك هناك أبحاث تجرى لاستعمال الطحالب البحرية كمصدر للبيوديزل بدلاً من النباتات الأخرى، وتجري محاولات لزراعة هذه الطحالب في البحار بكميات كبيرة، والاستفادة بها كمصدر كربوني لإنتاج البيوديزل بفعل التخمر البكتيري.
كما أن طاقة نظيفة جديدة تم اكتشافها بواسطة باحثين في مركز خدمة البحوث الزراعية في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية، هذا الطاقة تعتمد على إنتاج الهيدروجين من البكتيريا المثبتة للنيتروجين. ومن المعروف أن البكتريا المثبتة للنتروجين تلعب دوراً أساسيا في الزراعة. فهي تعيش في التربة أو على جذور بعض النباتات، وتحول النيتروجين الموجود في الهواء إلى مركب كيميائي يستفيد منها النبات في النمو، ولقد طور الباحثين طريقة تمكن هذه البكتيريا من إنتاج غاز الهيدروجين، هذا الاكتشاف يساهم بشكل كبير في توفير مصدر للهيدروجين لخلايا الوقود. حيث أن خلايا الوقود تقوم فكرتها على دمج الهيدروجين مع الأكسجين لإنتاج الكهرباء والماء، وتعتبر خلايا الوقود ذات كفاءة عالية، ولا ينتج عنها ما يلوث البيئة، وتجرى تجارب عديدة على استخدام خلايا الوقود في الكثير من المنتجات مثل السيارات التي لا ينتج عن العادم سوى بخار الماء.
كما يمكن استغلال بكتيريا المياه الآسنة لإنتاج الطاقة الكهربائية. حيث أن فريق بحثي في ألمانيا من جامعة جرايسفالد قد توصل إلى تحويل بكتيريا المياه الآسنة إلى «محطات طاقة بكتيرية». وتمكن هذا الفريق البحثي من الوصول إلى طريقة جديدة قادرة على مضاعفة الطاقة المستمدة من البكتيريا 10 مرات. ومن المتوقع أن يتمكن فريق العمل من إنتاج الكهرباء بكميات تجارية خلال السنوات العشر المقبلة باستخدام مليارات البكتيريا التي توجد في المياه الآسنة. وسيركز الباحثون على مزيج المياه والمواد الآسنة المترشحة من مياه المجاري في تحقيق هذا المشروع. وذكرت جامعة جرايسفالد على صفحتها الإلكترونية أن هذا الفريق البحثي قد نجح في إنتاج تيار كهربائي كثافته 1.5 ملي أمبير على السنتمتر المربع الواحد، وهي أعلى كثافة للتيار الكهربائي تم الحصول عليه على المستوى العالمي حتى الآن باستخدام ما يسمى «طاقة خلايا الوقود البكتيرية». ويعمل العلماء حاليا على مضاعفتها إلى 10 أمثال.
وكما أن استعمال الوقود الحفري أدى إلى زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، فقد تصبح وسائل الطاقة في المستقبل تكافح هذه الزيادة في هذا الغاز، وتصبح وسائل الطاقة مكافحة للتلوث، حيث أن من الحلول المبتكرة التي يفكر فيها العلماء ومازالت في طور الأبحاث، ما جاء ذكره في أحد المواقع العملية على الشبكة الدولية للمعلومات أن فريق علمي في اليابان قد بدأ أعضاؤه في مشروع بحثي لاختيار بكتيريا تقوم باستخدام ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو وتحويله مباشرةً إلى غاز حيوي، ويهدفون لذلك إلى هدفين أولهما إنتاج وقود بأسلوب جديد ومبتكر وذو تكلفة اقتصادية قليلة، والآخر مكافحة التلوث الناجم عن زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو الناجم عن عوادم المصانع والذي يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري أو ما يسمى بظاهرة الصوبة الزجاجية التي تؤدي إلى التغيرات المناخية التي تؤدي إلى عواقب وخيمة على الكرة الأرضية.
وكما نشرت مجلة ScienceDaily عام 2007 عن تقرير لاكتشاف جديد نشر في مجلة Nature فقد تمكن فريق بحثي من اسبانيا والسويد من اكتشاف أنواع جديدة من البكتيريا تعيش في مياه المحيطات لها القدرة على استخدام الطاقة الشمسية في نموها، وقاموا بدراسات على مستوى الجينات لهذه البكتيريا وتعرفوا على الجين المسئول عن الاستفادة من الطاقة الشمسية وتحويلها إلى طاقة، أي أن العلماء اكتشفوا بكتيريا ذاتية التغذية تعتمد على البناء الضوئي مثل النباتات التي تنمو على اليابسة، والطحالب في مياه البحار والمحيطات، ويتوقع الفريق البحثي لهذا أن تلعب هذه البكتيريا دوراً مهماً في المستقبل في تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية تستفيد منها البشرية .
واكتشف العلماء بجامعة كاليفورنيا في مدينة بيركلي بعض الخصائص المفيدة في سلالات معينة من البكتيريا التي تتواجد بصورة شائعة في البيئات المائية، وقالت بارا عنها: “حينما تهضم هذه البكتيريا المغذيات فإنها تشرذم جزيئات الغذاء إلى قطع تنبعث منها بروتونات وإلكترونات تولد طاقة كيميائية. وتقوم خلايا الوقود الميكروبية بجمع هذه البروتونات والإلكترونات وتحول طاقتها الكيميائية إلى طاقة كهربائية من خلال إعادة مزج هذه الحبيبات بالأوكسجين، مما يفرز مقادير من الماء والكهرباء،
ويقول الباحثون في هذا المجال إن مولدا أحيائيا من حجم لتر واحد يمكن أن يولد كيلوواط واحدا من الكهرباء، كما أن بمقدور مولدات أحيائية ذات سعة أكبر أن تولد كمية أكبر من طاقة الكهرباء.”
بكتيريا وخلايا الوقود هذه تنبعث منها طاقة كهرباء شبيهة بطاقة البطاريات إلا أن خلايا الوقود لا تخزّن طاقة حاليا بل تبث طاقة حينما يجري تغذية البكتيريا. وحينما يحتاج الفرد للطاقة “كل ما سيفعله هو إطعام البكتيريا غذاء مثل السكر، ويجري تصنيع خلايا الوقود الصغيرة الحجم من خلال استخدام أساليب تصنيع شبه الموصلات وهي شبيهة بتلك التي تستخدم في صنع رقائق الحواسيب. وفي يوم ما إذا استطاع العلماء تصميم خلية وقود مكروبيه ذات جدوى اقتصادية وذات حجم صغير قد يمكن تطوير وحدات صغيرة الحجم لمد آلات محمولة بالطاقة والتي تشغل بواسطة البطاريات مثل الهواتف النقالة والراديوهات وأجهزة الكومبيوتر المحمولة والمصابيح.
ولا تزال البكتيريا تملك الكثير والكثير من الخبايا والأسرار في مجال الطاقة، وسوف تبوح بهذه الأسرار بمرور الأيام وتعطينا المزيد والمزيد من وسائل الطاقة الجديدة والمتجددة.