شيماء الامغاري “نهى بريس”
يعتبر اضطراب النوم من الأمراض النفسية الشائعة، بسبب ما افرزه العصر الحديث من مشكلات عديدة، منها التطور التكنولوجي، الزحف العمراني، نقص المساحات الخضراء و التلوث البيئي، و تغير إيقاع الحياة الذي أصبح أكثر سرعة. و يعرف الأخصائيون اضطرابات النوم على انه الصعوبة في الدخول في النوم ،أو الاستمرار فيه أو الشعور بالهدوء فيه بسبب نفسي ،و ليس جسمي، مما يزيد من معدل التو ثر، القلق الاضطراب والشعور بالتعب و الخمول عند الاستيقاظ ، مما يؤثر سلبا على قدرة الفرد على القيام بمهامه اليومية بشكل جيد. يعد النوم حاجة أساسية للإنسان، تعيد له التوازن النفسي و الجسدي فيجدد طاقاته ،ليستقبل يومه بشكل مريح، فكل شخص يحتاج إلى قسط معين من النوم، وفقا لعدة عوامل منها السن، فبينما يحتاج الأطفال عادة إلى ستة عشر ساعة من النوم يوميا، فان المراهقين بحاجة إلى تسع ساعات نوم، أما البالغين فهم بحاجة إلى سبع أو ثمان ساعات تقريبا. و قد أفادت دراسة أمريكية إلى أن النوم اقل من أربع ساعات لخمسة أيام متتالية يتسبب في أضرار بالدماغ ،كما بيّنت نتائج أبحاث قام بها باحثون من جامعة «ويسكنسون» الأميركية عبر دراسة موجات دماغ فئران تجارب عملوا على إبقائها يقظة لمدة عشرين ساعة على مدى خمسة أيام، تمّ التركيز فيها على قياس نشاط الموجة البطيئة Slow Wave Activity (SWA) والذي يكشف عن حاجة الفرد للنوم، أن عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم لليالٍ عدّة متتالية يمكن أن يؤثّر في قدرة الفرد الإدراكية، مؤديا إلى حال تعرف ب «العجز التراكمي» في اليقظة والإدراك. من جهة ثانية، تؤدي قلة النوم إلى زيادة مقاومة «الأنسولين»، ما قد يعرّض إلى خطر الإصابة بالسكري كما جاء في مجلة “النوم” المجلة الرسمية للأكاديمية الأمريكية لطب النوم (سبتمبر 2010) عن علاقة الأرق المصاحب بعدد ساعات نوم أقل من ست ساعات يوميا بزيادة احتمالات الوفاة عند الرجال. وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية هذه الدراسة بصورة كبيرة و باهتمام كبير. وهذه هي الدراسة الأولى التي تربط الأرق أكثر اضطرابات النوم شيوعا بزيادة احتمالات الوفاة.. ملايين من الناس يعانون من اضطرابات النوم، فعادة لا يستطيع الأشخاص التأقلم مع النوم القليل بسهولة، و بالرغم من أنهم يستطيعون الاعتياد على نمط حياة تقل فيه ساعات النوم، إلا أن ذلك يؤثر في أحكامهم و غيرها من الوظائف الحيوية ، فالشخص الذي يشكو من قلة عدد ساعات النوم لا يستطيع أداء نشاطاته الحياتية اليومية بشكل جيد فيسيطر عليه التعب التثاؤب المستمر القلق و عدم القدرة التركيز سرعة الغضب اضمحلال الرغبة أو فقدانها للاستمتاع بأي من النشاطات ،تغيرات في الوزن وفقدان الشهية ،عدم القدرة على إبداء أو اتخاذ القرارات بسهولة، تبلد الحواس، و أحيانا إذا ما تفاقمت الحالة و لم يتم معاينة الطبيب لتشخيص الحالة، قد تتكون لدى الفرد أفكار انتحارية مع توتر نفسي جسدي حاد. أما الكوابيس و الرهابات الليلية، و المشي و حركات الرأس العنيفة ،و التبول في الفراش و الكلام أثناء النوم، و صرير الأسنان كلها أنواع من مشاكل النوم، و هناك علاجات لمعظم اضطرابات النوم ،لكن الالتزام بأوقات محددة للنوم و الاستيقاظ يكون كافيا في بعض الحالات كما تساعد استشارة الطبيب عند استمرار مشاكل النوم . و تتضافر عدة عوامل تكون السبب وراء إصابة الشخص باضطرابات النوم، كضغوط في العمل ،المشاكل الأسرية ، اقتراب الامتحانات، و كثرة استعمال الأجهزة الالكترونية، فالعديد هم من يستعملون أجهزة الكمبيوتر أو التلفاز و الهواتف النقالة مباشرة قبل النوم، ذلك أن الأشعة المنبعثة من هاته الأجهزة تتلف مادة الميلاتونين أو هرمونات النوم الطبيعي، و هي مادة يفرزها الدماغ بالليل، و تكون مسؤولة عن إفراز هرمونات تسبب الإحساس بالنعاس . ففي الكثير من القطاعات نجد العامل يعمل لساعات متأخرة بالليل أو يداوم بالليل و النهار، و بالتالي لا ينال القسط الكافي من النوم ،مما يؤثر سلبا على صحته النفسية و الجسدية ،و ينعكس ذلك تلقائيا على مردوديته ،و بالتالي على اقتصاد الدولة . و من العادات السيئة التي يقع التلاميذ و الطلبة ضحيتها هي السهر لأوقات متأخرة من الليل ،لأجل حفظ الدروس ،أو ما يسميه البعض ليلة بيضاء ،و هي طريقة غير صحية ’ولها عواقب وخيمة على التلميذ أو الطالب إذ تسبب له الإجهاد و الإرهاق ،فيفقد القدرة على التركيز و الاستيعاب و ضعف في الذاكرة لقلة ساعات النوم ، مما قد يتسبب له في الفشل الدراسي . و قد عانى المغاربة خاصة الأمهات و التلاميذ من قرار الحكومة القاضي بإضافة ستين دقيقة إلى التوقيت المحلي للمملكة، و قد كان من الصعب التأقلم مع هذا النمط ،خاصة التلاميذ الذين ينام اغلبهم في الفصل الدراسي ،و يجدون صعوبة في متابعة شروحات المعلم و استيعاب الدروس، و كذا الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن مجبرات على الاستيقاظ باكرا لتهييء ومرافقة أبنائهم للمدرسة، روتين يومي قد تترتب عليه أثار سلبية منها عدم الحصول على القسط الكافي من النوم، مما قد يجعل الجميع في حالة من التوتر و القلق الدائمين . أما الموظفين بالادراة فتجدهم و قد سيطر التعب عليهم ،متثاقلين متثائبين و متكاسلين، وقد سيطر الوجوم و العبوس على وجوههم ، مما يكون سببا في تأخير مصالح المواطن الذي بدوره يعاني من قلة النوم و ضغوطات الحياة اليومية . و قد أكدت إحدى البحوث الأمريكية الحديثة على أهمية القيلولة ،و معناها النوم لفترة قصيرة ،لا تتجاوز الساعة ، لأنها تسهم في إنعاش الدماغ و تعزيز القدرة على التعلم و ترفع من القدرة الإنتاجية للفرد وهنا استحضر تجربة البلد الصناعي الذي يعرف اقل معدلات النوم( 6 ساعات يوميا) اليابان، و التي يشجع فيها أرباب العمل ،موظفيهم على أخد قيلولة و النوم خلال ساعات الظهيرة، لنحو 20 دقيقة إلى نصف ساعة لأجل تنجيع و تحسين أدائهم بالعمل . أما الخسائر البشرية و المادية التي خلفتها حوادث السير، أو ما يعرف بحرب الطرقات، فقد اثبت الدراسات بان نوم السائق أثناء القيادة، من العوامل الأولية في ارتفاع حوادث السير و هذا ما أكدته الجمعية المغربية للنوم واليقظة خلال أشغال المؤتمر المغاربي الأول لأمراض النوم الذي نظمته بتعاون مع اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير ووزارة التجهيز و النقل بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية بمراكش و قد أشار السيد ناصر بولعجول، الكاتب الدائم للجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، إلى أن عدم الانتباه إلى تسبب اضطرابات النوم في حوادث السير، قائلا إنها “غالبا ما ترجع إلى سوء أحوال الطريق أو العربات أو عوامل سلوكية أخرى، لكن نادرا ما يعرف أن الأمر يتعلق بغفلة نوم، أو ربما تناول بعض الأدوية أو المنبهات التي تؤثر في قدرتنا على السياقة؛ مما قد يودي إلى عواقب وخيمة . و من الآثار السلبية أيضا لاضطرابات النوم على الأفراد ،هو التعاطي لعقاقير النوم دون استشارة الطبيب ،ما يجعل صاحبه يقع في الإدمان عليها ،مما يتسبب له في مشاكل صحية وخيمة منها فقدان الذاكرة عدم الراحة في النوم ،الكوابيس إذا لم ياخد المريض الدواء قبل الذهاب إلى الفراش، وإذا توقف المريض عن تناول الدواء، عاد إليه الأرق ثانيةً؛ لذلك تضع بعض الدول حظراً على تناول هذه العقاقير أو تداولها؛ فلا تُصرف إلا بإذن الطبيب المختصّ، ويتم تسجيل كمياتها في الصيدليات، ويُخصم منها ما يُباع، وتخضع الصيدليات للمراقبة الدائمة؛ حتى لا يحصل عليها المدمنون؛ لذلك فإن العلاج السلوكي أفضل؛ تفاديا للاعتماد على العقاقير في علاج اضطرابات النوم، والعلاج النفسي عامةً أفضل لعلاج جميع الاضطرابات النفسية والعقلية؛ بسبب عدم وجود آثار جانبية له.