سمير الطويل “نهى بريس”
إن الحديث عن الموروث الثقافي ، يستلزم منا وقفة تأملية حول ما يحمله هذا المفهوم من دلالات تندرج ضمن العديد من التوجهات الفكرية ، لدى العديد من الباحثين خصوصا منهم المؤرخين والجغرافيين والانثروبولجيين والسوسيولوجيين .ويجمع هؤلاء على إن الموروث الثقافي ، يتحدد ضمن كل ما له علاقة بما خلفته الأسلاف من معارف وعادات وتقاليد وأعراف وقيم أخلاقية ومعتقدات تعكس نمط حياة شعب لفترة مؤقتة ويتوارثها جيلا عن جيل.
إن الموروث الثقافي أو التراث الثقافي إن صح التعبير باعتباره شكل ثقافي يعكس الخصائص البشرية التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان ، فكل المنجزات البشرية والأعمال الإنسانية وشتى السلوكات متوارثة ، وتكسب خصوصية بحكم الإطار الاجتماعي والبيئي .وكنموذج لذالك نستدرج تراث مدينة الريش ، بكون المنطقة حسب موقعها الجغرافي تستقطب جل الثقافات من القبائل المجاورة (ايت حديدو وايت مرغاد وايت سغروشن و ايت ازدك) بكون هذه الأخيرة هي الأصل في التجمع الحضري للمدينة. وهذا ما يجعل منها تمتاز بتنوع مورثوها الثقافي . إن ثقافة مدينة الريش جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية ، ولكون أي ثقافة لها خصوصياتها وامتيازاتها كمصدر للتعبير عن ذاتها ونعني بذالك الصيرورة التاريخية للمدينة منذ النشأة إلى حدود الآن .باعتبار التاريخ عاملا جوهريا للتراكم الكمي والنوعي للثقافة ، بما له من ثاثيرات وآثار في تكوين الذاتية الثقافية للمنطقة كهوية حضارية ، تاريخية إنسانية ، ومن ناحية أخرى كانت ثقافة المدينة موصولة بتكامل وبصورة فريدة بالثقافات المجاورة التي تحملها المناطق القبلية، ولذالك لم ينقطع سندها اللغوي والتاريخي والثقافي على مرور العصور .وهذا ما يجعل ارتباط المدينة بالقبائل المجاورة لايزيدها إلا صلابة في مضمونها كما وكيفا وفكرا وتاريخا . فهي لا يمكن أن تكون متوحدة إلا بها .
إن ما وصلنا من تراث ثقافي يثمتل في بقايا أثرية و شواهد تاريخية و أنماط السلوك وممارسات حية ، لكن ذالك لا يمثل سوى شريحة رقيقة من نتاج الماضي الضخم ، وليس كل ما يصلنا يكون كاملا ولكن يصلنا في معظم الأحيان حاملا لعدوان الناس. وكثير منه يصلنا تالفا وناقصا فيه الأصيل و الدخيل. وعلى غرار ذلك، فالشكل الثقافي الذي تمتاز به المدينة يعكس الخصائص البشرية عميقة الجذور، وينتقل من جيل لأخر رغم بعض التغيرات الثقافية لكنها دائما تحتفظ بوحدة أساسية مستمرة ودليل ذالك نجده في العديد من المآثر الأثرية بالمدينة . وعلى هذا النحو فالمدينة تزخر بتراث اجتماعي يشمل الحياة السلوكية والعادات والتقاليد والأعراف والأمثال الشعبية كالحكايات والموروثات الشفهية، وكدا الفنون الشعبية كالغناء الموسيقى والرقص . ومن جهة أخرى نجد التراث الفكري أساسه كل ما قدمه مفكرين ومسؤولين سياسيين بالمنطقة كانوا شهودا على عصورهم ومبدعين خلالها . ومن هذا وذاك فالمدينة بموقعها الجغرافي المتميز وجودها على الطريق المؤدية لمركز املشيل المنطقة السياحية بفضل الموسم الذي نال شهرة عالمية وكذا الطريق المؤدية إلى كل من الشلالات بمنطقة كرامة وقرية تولال (موسم بوحصيرة) و مركز تالسينت ، التي تتميز بدورها بالموسم السنوي الشهير .وتعرف مدينة الريش والمناطق المجاورة تراث سياحي يتمثل خصوصا في تعدد المواسيم وبعض الآثار السياحية وتجدر الإشارة هنا بحمات مولاي هاشم و حمات مولاي علي الشريف وعين اغبالوا الأربعاء إضافة إلى الصخرة المثقوبة (غار زعبل).
وأخيرا ليس أخرا ، يشكل ثرات منطقة الريش وديناميته الثقافية والفنية إمكانيات مهمة للنهوض بالتنمية، وذالك إن تمكن العنصر البشري الحفاظ على العناصر الأساسية للتراث الثقافي وفي هذا الصدد يجرنا الحديث إلى مخاطبة الأجهزة المختصة والمؤسسات العلمية والثقافية في مجال التراث، ونعني بذلك الحديث عن الجهود الحكومية والتعاون الإقليمي والدولي في تطوير الممارسات العلمية والعملية التي تخدم التراث حفاظا واحياءا. رغم إن الحفاظ على الموروث مسؤولية الجميع .وبصفة عامة فالمؤسسات الحكومية وكدا فعاليات المجتمع المدني تتحمل المسؤولية في حماية الآثار والمعالم التاريخية.