بقلم: “الدكتور محمد منصوري”
لماذا أصبح للمرأة عيد؟ قد يبدو السؤال منطقيا!ففي الثامن من مارس من كل سنة نحتفل بعيد المرأة لا لشيء فقط لأنها سيدة وليست رجل.هل نظن أنه اعتراف منا، نحن الرجال، بمكانتها وأهميتها؟ أم أنه مجرد مجاملةوتطييب للخاطر؟ وهل تظن النساء فعلا أنها فرصة للتذكير بحقوقهن المهضومة والمطالبة بتحسين ظروفهن الاجتماعية والاقتصادية؟أم أنهن يعتقدن أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد در للرماد على العيون؟ مهما كان الدافع وراء الاحتفال بهذا اليوم وكيفما كانت النوايا، سنجد في النهاية أننا جزء من هذا أو ذاك وأننا كلنا طرف في نفس القضية. وعلى الأقل سيجد بعضنا أنها فرصة سانحة لطلب ود النساء بترديد عبارات المجاملة وارتداء عباءة النضال والدفاع عن حقوق المرأة، وأنا واحد منهم.فحقوق المرأة هي من أقدم قضايا حقوق الإنسان على مر الأزمنة والعصور والحديث عنها يجد في كل مرة آذانا صاغية.
لنكن جديين! ألميقف التاريخ عاجزا على فهم هذا الحيف والظلم الذي لحق النساء منذ القدم على يد الرجل؟فكيف أن المرأة التي حملته على وهن وأرضعته من ثديها حليبا هو عصارة جهدها وطاقتهاثم سهرت الليالي إلى جانبه حتى كبر واشتد عوده، سيقوم هو، نفس ذاك الرجل لا غير، باستعبادها ووأدها وانتهاك كل حقوقها. يصعب حقا أن نفهم هذه المعادلة.تصوروا معي، إذن، عالما بدون نساء: للرجال فقط. هل كان ليكون عالما مثاليا؟ هل كنا سنشعر بالحاجة إلى وجود المرأة في حياتنا؟ما المشكلة التي فكرتم فيها مباشرة؟ حسناً، احتفظوا بها لأنفسكم ولا تجيبوني!
ألا تعتقدون معي أن مشاكل المرأة الحقوقية هي راجعة بالأساس لطبيعة العلاقة التي تجمعها بالرجل والتي تنبني على جانبين منفصلينومرتبطين في نفس الوقت ارتباطا وثيقا؟فكون المرأة تختلف شكلا وتكوينا عن الرجل، جعل هذا الكائن الذي نسميهب “الإنسان” ينقسم إلى صنفين وانتماءين مختلفين. ولغريب الصدف قد أطلقنا على هذا التصنيف اسم الجنس. وهذا هو الجانب الآخر: الجنس! هذه الغريزة الحيوانية التي جُعلت لتستمر الكائنات، أنتجت عند الإنسان العاقل مشاكل في الهوية والسلوك والعلاقات.لذلك نجد أن كل مشاكل المرأة الحقوقية والوجودية هي إما بسبب العلاقة الجنسية، والتي نقصد بها علاقة جنس بجنس مختلف عنه، أو بسبب العلاقة الجنسية مرة أخرى، وهذه لا تحتاج إلى مزيد من التوضيح!
فبالنسبة للجانب الأول من العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة نجد أن معظم المشاكل والانتهاكات الحقوقية هي في الحقيقة صراع بين فئتين وتضارب في المصالح بينهما. وهنا يمكن أن نذكر الجزء المتعلقبالوظائف والمهام التي يمكن للمرأة توليها مقارنة بالرجل.فلأنه سبق واحتل هو هذه الأماكن، لم يعد من السهل إدراكها ولا التخلي عنها في نفس الوقت. إنه نظام للتفرقة العنصرية مثله مثل باقي الأنظمة المشابهة كالتي كانت تقوم على اللون مثلا. وبالنسبة للجانب الثاني من هذه العلاقة فهو يتمثل خصوصا في المشاكل السلوكية المتعلقة بالتحرش والاغتصاب والتعنيف ولكن كذلك في شقه القانوني المتعلق بالزواج ومفهومه المنحصر في “النكاح” وتبرير الغرض من تعدد الزوجات، والأمثلة كثيرة.
الآن تصوروا معي أن النساء هن أقوى وأشد من الرجال، هل كان الرجال باستطاعتهم أن يعاملوا النساء هذه المعاملة عبر التاريخ. إذن فالموضوع هو كذلك مسألة قوي وضعيف! ماذا ننتظر إذن؟ أن تتغير موازين القوى كليا فيصبح الرجل هو من يطالب بحقوقه من النساء فَيَجْعَلْنَ من أجله عيدا ونحتفل جميعا باليوم العالمي للرجل. ما هو شعوركم أيها الرجال؟!
قد يطول بنا الحديث في تحليل هذه العلاقة المثيرة الغريبة والجميلة في نفس الوقت والتي جمعت هذين الصنفين من أبناء الإنسان. وأظن ان عالمنا اليوم قد أصبح مهيأً لبدء صفحة جديدة في نوعية العلاقة التي تجمع بينهما. فالحديث عن المساواة أصبح شاملا ولا يخص فئة دون أخرى. لذلك، آن الأوان اليوم لكي ننظر إلى هذه العلاقة من الجانب التشاركي وليس كفريقين متضادين. علينا نحن الإثنين أن نتشاور ونبحث سويا عن أفضل الطرق لبناء مدنية سليمة ومجتمع فاضل. هذا هدفنا المشترك والذي أصبح ضروريا لبقائنا نحن الإثنين على حد سواء.
وبالحديث عن البناء والإصلاح نتذكر فجأة أن من بين الأشياء المشتركة بيننا: تربية الأطفال.وهذه مسؤولية جسيمة يبنى عليها صلاح الإنسانية وخيرها ولا يمكن تحقيقها إلا بالمشاورة والوحدة وصفاء النية. فهؤلاء الأطفال أطفالنا معا، وهؤلاء الشباب الناشئ مسؤوليتنا المشتركة. لذلك فالأمر يتعدى مجرد إعطاءٍ للحقوق أو أخذها، إنه مصير لإنسانية بعينها. إذا أدركنا نحن الرجال أن المرأة هي أول مربٍّ للأجيال، كيف يمكن أن نبخسها حقها في التعليم؟ كيف نحرمها من المعرفة ونتركها في البيت حبيسة الجدران أو نهديها لأول طارق يبغي النكاح؟أليس من الأجدر بنا أن نعطيها الأولوية ونفضلها على أنفسنا. فمن كان له ابن وابنة ولم يستطع تعليمهما معا عليه ان يختار أن يعلم ابنته وليس العكس، فهي من ستربي جيلا بأكمله. في عائلتي، حرمت امي وأخواتها الثلاث من التعليم في حين حظي الذكور الأربعة بنصيبهم منه حتى اكتفوا. يا لها من معادلة! أظن أن هذا ما حدث بالماضي في معظم العائلات التي كان لها الحظ في تعليم أبنائها.
واليوم، لا زالت مشاهدة الفتيات الريفيات يحملن الحطب على ظهورهن بدل الكتب المدرسية في القرن الواحد والعشرينتهز من صورتنا ومصداقيتنا وتضرب عرض الحائط كل المثاليات التي نتحدث عنها. فلتكن هذه هي أولويتنا معا، ولنتعلم من جديد كيف يمكننا أن نعيش حياة من الاتحاد والتعاون والاحترام المتبادل، ولننسى الماضي بجراحه والحاضر بعيوبه ولا نفكر إلا في مستقبل أبنائنا، مستقبلنا المشترك.
لم أنسى أن اليوم عيدك سيدتي وإن كنت أتمنى أن يصبح عيدنا معا… فكل عام ونساء العالم بألف خير!