بقلم: محمد أوركو صحافي “نهى بريس”
لقد كانت الأضرحة تلعب دورا رياديا زمن الاستعمار، بل أكثر من ذلك كانت تمثل بصفة عامة بشمال إفريقيا رواد الثقافة و كبار الأنثروبولوجيا و جل المهتمين بهذا المجال؛ فزمن الإستعمار كان للمعمر الفرنسي أهمية كبيرة في نشر الثقافة الغربية على وجه الخصوص عكس النسق القبلي الذي بقي متشبثا بالأعراف و التقاليد السائدة التي تحمل دلالات داخل ذوات الأفراد و تصنع هويتهم الخاصة.
إن الضريح باعتباره مكان مقدس و ليس مدنس، يمثل خلفيتنا الثقافية و تمثلاتنا الشعبية و ما يؤمن به الناس من قدرة الأولياء الصالحين على تحقيق المعجزات الخارقة كشفاء الأمراض المستعصية و لا نقصد هنا أي ضريح بل نقصد تلك الأضرحة المعروفة بطقوسها الخاصة و تقديسها للقبور و بذلك نجد كما يوضح هنري باصي في كتابه ” الأضرحة بشمال إفريقيا” أن الأضرحة لعبت دورا بارزا بالمغرب و بشمال إفريقيا على وجه العموم في خلق الإستقرار و تلاحم الناس و تعاطفهم و تناغم بعضهم ببعض.
وحتى لا نذهب وننساق وراء ما لا يفيدنا. فإن تاريخ الاستعمار بالمغرب كان له تاثير ايجابي في بعض مناحي الحياة، حيث كانت هناك اتجاهات أكدت بأن الاستعمار له جانب إيجابي في الفترة التي كان يمسك فيها زمام الحكم بالمغرب و يتجلى ذلك في ثقافة الأضرحة المتواجدة بشكل كبير في القبائل الناطقة بالأمازيغية و النموذج بالأطلس الكبير و الصغير و المتوسط، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أربعة أضرحة بدائرة إملشيل تعتبر من الأضرحة المقدسة و هذه الأضرحة تحمل إسم ”سيدي كو” ثم ”سيدي المشهور” بالإضافة إلى ”مولاي براهيم” و الضريح الأخير يحمل إسم ” سيدي علي و عمر” .
و من المؤكد أن هذه الأضرحة تعتبر بمثابة المحكمة و التي تراها المستعمر في فترته و هي الفاصلة بين الناس في جميع الخلافات الدائرة بينهم سواءا تعلق الأمر بمجال الفلاحة أو السرقة أو السب و الشتم…. و هلم جرا. في كل قضية على حدة يشتكي المشتكي على المستعمر على انتهاك حرمته من شخص ما ، و يفضل المشتكي أن يؤدي القسم بأحد الأضرحة المذكورة الانفة الذكر (حسب اختيار المشتكي)، بمعية خمسة أفراد يؤدون القسم رفقته، و في بعض القضايا الكبيرة يتوجب على المشتكى به إحضار عشرة أفراد لتأدية القسم كدليل قاطع أنه لم يفعل الأشياء المنسوبة إليه.
و يكون يوم السوق الأسبوعي آنذاك فرصة لحل النزاعات بين الأفراد حيث تؤدي الأطراف المتنازعة المنضوية تحت هذه الأضرحة القسم كما جرت به العادة في هذه المناطق و في حالة عدم توفر النصاب يضطر المشتكى منه إلى ذبح الذبيحة على المشتكي و يتم عقد الصلح بين المختصمين، لأن رابطة الدم لها تأثير كبير في الحفاظ على أواصر الصلات بين أفراد هذه المجتمعات.
كلها أضرحة دفن فيها أشخاص يملكون البركة حسب المدلول الثقافي المغربي فسيدي المشهور و سيدي كو بالإضافة إلى سيدي علي وعمر ثم سيدي براهيم أسماء تمثل اشخاصا عرفوا بأخلاقهم النبيلة و الصارمة ، و بذلك تم تشييد أضرحة خاصة بهم تمجيدا لهم من أبناء قبيلتهم فيصبحون مزارا عللى مدى السنين لأجل التبرك و الدعاء، و هذا لم يخرج عن السياق الذي كانت فيه العديد من الأعراف هي السائدة في الأوساط القبلية التي رفضت الخضوع للسلطة المخزنية في هذه الحقبة الزمنية في تاريخ المغرب.