بقلم: فاطمة الزهراء العماري *نهـى بريـــس*
إن المتتبع للحقل الفني المغربي، يلاحظ صعود موجة شبابية غنائية جديدة، جعلت لنفسها مكانا وشهرة داخل المغرب وخارجه، وأخذت المشعل للنهوض بالأغنية المغربية، وتعريفها وتسويقها على مستوى العالم العربي، وهذا ما تحقق إلى حد بعيد مع مجموعة من الشباب (أسماء المنور، سعد المجرد…). وفن الغناء هو ثقافة ورسالة نبيلة تحمل في طياتها كل معاني الرقي والجمال، فهو الكلمة الجميلة والهادفة قبل أن يكون سلعة تباع وتشترى.
من هنا وجب أن نتساءل عن غاية وجدوائية هذا الفن "الشبابي"، ما هي أهم الموضوعات المتناولة في هذه الأغنيات؟ أليس في التركيز على جسد المرأة تشييئ لها وتكريس للهيمنة الذكورية ؟
إن فن الغناء كرسالة نبيلة يمكن إدراجه ضمن وسائل التنشئة الاجتماعية، فهو حمال أوجه، يمكن أن يحمل رسائل مختلفة ومتنوعة، قد يمرر القيم النبيلة ويرفع من الذوق العام وهذا هو المطلوب، وقد ينزاح عن هذه الغاية، ويمرر رسائل سلبية من قبيل تكريس التراتبية الاجتماعية، واللامساواة، والتمييز والتفاوتات بين المرأة والرجل.
وكإطلالة سريعة على موضوعات الأغنيات (التيمات) جلها تجعل من المرأة وجسدها الموضوع الرئيسي، فهو تصور لنا المرأة ذات الدور السلبي التبعي، والرجل القوي النموذج، طبعا في مجتمع يزداد التفاوت فيه يوما بعد يوم، يختزل المرأة ويقزمها إلا فاعل سلبي، كل همه البحث عن رجل "يسترها"، ومن أجل هذه الغاية تسخر المرأةكل وسائل من ذكاء و"مكيدة" للفوز بالرجل، باعتباره الهدف الأسمى، وأفق تطلعات المرأة المغربية، وهذا أقل ما يمكن القول عنه، تكريس للصورة السلبية للمرأة في المجتمعات الأبيسية، متناسين أو متغافلين بأن المرأة لها خياراتها وتطلعاتها، وأنها شريكة الرجل ومنافسة لها في جل المجالات حتى تلك التي كانت تعد عما قريب حكرا على الرجال.
وبالعودة إلى مضامين "الأغنية الجديدة"، أول ملاحظة تستوقفنا، تلك العلاقة الصراعية بين الجنسين (الرجل/المرأة)، وهو صراع سلبي، أقل ما يمكن القول عنه "معيور"، فالقطعة الغنائية رغم قصرها (3 دقائق) أمست حقلا للسب والشتم بطرق لطيفة أحيانا وقاسية أحيانا أخرى (ظاهرة الكلاش). فأغنية سعد المجرد التي انتشرت كسرعة البرق "إنت باغية واحد يكون دمو بارد" فيها تكريس لسيادة الرجل باعتباره الفاعل والسيد الذي يجب أن تلبى كل طلباته، وبأنه ذو الاختيار الصحيح دائما، فحين المرأة ما عليها سوى انسياق والخضوع لسيادة الذكر، وهذا ما يزكيه مقطع "إكون راجل امرأة بزاف على درويش"، فالمرأة هنا لن تكون ندا للرجل أبدا مهما كان ضعيفا، فهو يبقى رجل في كل الأحوال، وهذا ظلم وحيف في حق المرأة، وتنقيص من قيمتها كفاعلة وكذات واعية لها حقوق وواجبات مثلها مثل الرجل.فالمرأة يجب أن تتقبل جميع أخطاء الرجل حفاظا عليه ككنز ثمين، ويسمح للرجل بمعاقبة المرأة عند الخطأ ، فحين المرأة لا يحق لها ذلك.
وأحدثت هذه الأغنية مجموعة من ردود الأفعال حول هذه "الإساءة" للمرأة كفاعل مستقل وككائن يستحق أن يتمتع بجميع حقوقه كالجنس الآخر، فلا يمكن أن يكون العضو التناسلي هو الذي يحدد نوع المعاملة والتمييز بينهما، فمثلا مقطع "مغربية نفسي عزيزة عليا مغربية عايقة ماشي نية"هذا الرد حاول أن يعيد الاعتبار للمرأة، وأن لها الحق في الاحتجاج على معاملة الرجل لها، وهذا حق لا يمكن تأويله كتمرد من أجل التمرد فقط أوسلوك يهين الرجل و ينقص منه،لكنه حق للمرأة أن تتفاوض، وأن تخرج من تلك التراتبية التي بناها لها المجتمع، وينتظر منها الاستجابة و فقط، وهذا ما يعبر عنه مقطع "سير تتعلم كيف تهدر عاد أجي هدر معايا راني حرة بنت حرة مانستسلو منرفع الراية" كلمات تحمل دلالات كبيرة، فالهيمنة الذكورية تعرف اليوم أزمة، فدخول المرأة إلى المدرسة والاستمرار في سيرورة التعلم مع الانخراط في العمل المأجور، وصعود مجموعة من الحركات النسائية التي تدافع عن المساواة بين الجنسين، أحس النساء بقيمة بالحرية ، وألا تقبل بالهزيمة التي تتمثل في الخضوع للرجل.
أصبحت المرأة اليوم قادرة على التفاوض مع الرجل عن حريتها، وأن الرجل لم يعد هدف المرأة وحده، بل أصبح لها اهتمامات أخرى (الدراسة والعمل والاستقلالية) بالتالي فهي اليوم لن تقبل بأي رجل متسلط يهضم حقوقها، وزادت مساحة اختيارها للرجل الشريك، وأمست تطالب تبادل الأدوار حسب الكفاءة وليس الوراثة، فهي اليوم فاعل مستقل وليس خاضعا لأحد.
ومقطع "بلانك خاوي، طلعتي غي داوي وعليا تكذب، ماشي ساهل تقول أنا راجل وفي الشدة تهرب" فالكذب كان يرتبط بالمرأة أكثر من الرجل، فهي قادرة على الكذب من أجل أن تمتلك رجلا، لكن اليوم الكذب أصبح سلوكا كونيا لا يرتبط بجنس دون آخر، وهنا يمكن أن نسائل مفهوم الرجولة،إذ لم تعد مرتبطة بالرجل، أي امتلاك العضو التناسلي يساوي الرجولة، فهي مواقف و أخلاق و مبادئ يتمتع بها الجنسين معا، فما هو بيولوجي ليس دائما هو المحدد، فاالجتماعي أصبح ذات أهمية فيتفسير الرجولة و تجلياتها.
لكن الرجل ليس دائما هوالظالم والمتسلط، فالنساء بدورهن قد يكرسن الهيمنة واللامساواة، ويجعلن من الرجل مركز اهتمام أو الراحة التي تدور جل الأحداث حولها، إذ في مقطع من أغنية"هادي ماشي رجولة، تخليني عليك معولة، فالأخر تقوليا لاالزواج مانقدر عليه….5سنين رابطين حداك صابرة ونستناك كلشي شافني معاك، دابا وجهي فين نديه.." نجد تكريسا لثقافة الاتكالية، والسلبية التي ألفتها المرأة باعتبار الرجل هو المعيل للعائلة والدفء الذي لا دفء من دونه،فهذه الكلمات يمكن اعتبارها إهانة للمرأة كما للرجل، فغاية المرأة من علاقتها بالرجل هو الزواج، باعتباره الحلم والهدف الأسمى لها، وذلك تجنبا للوصم الذي تتركه العلاقات خارج إطار الزواج، فالبنت في نظر المجتمع هي الخاسرة إذا لم تتوج علاقتها برابط الزواج، بل قد تنعت بأقبح النعوت، وتلاقي عقوبات مزدوجة من المجتمع الكبير (الاقصاء) والمجتمع الصغير (التهميش..)، فحين أن الرجل لا يأخذ نفس القدر من الوصم، بل يعد إنجازا كونه أقامة علاقة بالبنت.
فالزواج ليس ضرورة أو واجبا، بل يظل قناعة فردية، فهناك اليوم من النساءاللواتي لا تؤمن بفكرة الزواج وتمارس الحب وتضعه من حقوقها وليس بالضرورة أن يكلل بالزواج ، أي الحب وليس بالضرورة الزواج، لهذا وجب تقبل التغيير الذي أمسى يحدث من داخل المجتمع رغم بطئه، وأن تكون لنا الجرأة على تقبل المخالف لنا سواء فكريا، أو عقائديا..، كما أن الأغنية الشبابية يجب أن تسير في اتجاه توعية وتحسيس الناس بأهمية الاختلاف وإبراز دور المرأة كفاعل وليس مفعولا به، وكشريك له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، حتى نبني مجتمع قوي قادر على الإبداع والخلق، بعيدا عن كل تراجع ونكوص.