غير مصنف

التربية على المواطنة في بعدها “الوطني والعالمي”

GLOBE-PEOPLE

رضوان المسكيني “نهى بريس”

نحن أبناء التراب، ألم نفكر أن نحاسب أنفسنا في كل يوم قبل أن نحاسب ؟لماذا لا نعترف بأن لنا أصل واحد؟ وأننا رضعنا لبن المحبة من ثدي واحد ؟ نحن أبناء التراب لماذا لا نفكر جميعا في سبب خلقنا ؟ وهل فكرنا في علة الخلق كانت اتحادا أم شقاقا؟ .
أسئلة كثيرة تراودني بلا تراودنا جميعا؟لماذا لا نفكر جميعا في ضحد هذه الأحقاد التي انتشرت بيننا كسرعة البرق فاجتاحت عقولنا وأصبحت أوراما لا علاج لها؟لماذا لا نتمعن قليلا ما سبب ابتعادنا عن الحقائق المكنونة بداخلنا؟أين هي المبادئ الكونية التي لا تعترف بالحدود الجغرافية ؟ ألسنا قطرات بحر واحد ؟ متى نصل جميعا إلى وحدة الجنس البشري كأحد المبادئ العالمية التي يرتكز عليها بناء الحضارة ؟ألم نفكر أن الحضارة أصبحت معزولة بسبب سيطرة الأسطورة عليها من الداخل وعزلتها المصنوعة والتي ليست طبيعية ولا فطرية؟
نحن نعلم جميعا أن الوصول إلى وحدة الجنس البشري تتطلب منا وعيا متزايدا ، ولا تستدعي فقط أخذ عناوين كبرى كالتعاون والتسامح والتكافل بل لابد لنا من إعادة كاملة لصياغة المفاهيم المتعلقة بالروابط الإنسانية ، ووضعها في إطار ديداكتيكي ممنهج حتى تهب المجتمع نعمة البقاء.
في ظل الأوضاع الراهنة والصعبة التي يمر منها العالم – وعلى الخصوص- وطننا العربي يزداد الحذر وتختلط بعض المفاهيم والتوجهات لذلك نعتقد أنه من المهم أخذ جميع التحديات التي يخشاها البعض من هذا المفهوم بجدية حتى لا تكون عائقا أمام نشر وتطبيق مفهوم اتحاد الجنس البشري الذي يعتمد بالأساس على تربية الحس المتنامي بالمواطنة العالمية (أولا) ورفض جميع التعصبات المتأصلة ( ثانيا).
(أولا ) تربية الحس المتنامي بالمواطنة العالمية
مهما كان الباحث مجدا لن يستطيع الإلمام بالموضوع من جميع الجوانب حتى لو نظر إليه بعين الاستقراء لأنه موضوع شائك ومتباين أمام الإكراهات والتحديات التي تعرفها المنظومة العالمية في جميع المناحي .
ومع ذلك سنحاول الإلمام به من بعض الجوانب التي تتعلق ببناء الحضارة – في ظل تغيرها العضوي الآني والقادم – الذي يطمح إليه جميع الناس وعلى رأسهم الرسل والشعراء والفلاسفة الذين ما نضبت أقلامهم من أجل راحة البشرية.
إن التقدم الحضاري يتطلب الانتقال من حكم الأسطورة إلى حكم العقل وهو معيار أساس لقياس أي تقدم حضاري حيث لا توجد حضارة غربية ولا حضارة شرقية بل هناك حضارة واحدة لكنها متعددة المستويات جغرافيا .
فالإنسان في مساره الحضاري يحاول أن يعي الكون حتى يشعر بالأمان والطمأنينة لأن الحضارة في نشأتها تهدف إلى أن يحيا الإنسان آمنا في هذا الكون . فالغاية من المسار الحضاري هي أن تكون الألفة بين جميع الأجناس والكون وهذه الألفة لا يمكن أن تتم ونحن لا نحترم التنوع الكامل للثقافة ولانفتح قنوات التعبير عن عزة الإنسان وشرفه في مجتمع يؤمن بهضم حقوق الطفل ولا يعرف إلا لغة الاستعلاء في التعامل مع النصف الثاني ” المرأة ” وتركيز ثروته المادية في أيدي أقلية من سكانه.
إذا كان سقراط أحب أن يرجع انتماءه للعالم وليس لدولة الإغريق فهذا ليس إلا تكريسا لقولة قيلت في مكان ما وزمن ما ” ليس الفخر لمن يحب الوطن ولكن الفخر لمن يحب العالم “.
إن شعورنا اليوم بمسؤولية الحفاظ على العالم أجمع وجعله مكانا أفضل للعيش اليوم و مستقبلا للأجيال القادمة يدفعنا إعطاء تعريف للمواطنة العالمية (1) الدعائم الأساسية للتربية على المواطنة العالمية (2) المواطن الصالح في الميثاق الوطني للتربية والتكوين(3)

1- مفهوم المواطنة العالمية :
يعتبر من المفاهيم الجديدة الطرح في الوطن العربي، خاصة على المستوى التعليمي ، لذلك لم يكن من السهل الاتفاق على تعريف موحد لهذا المفهوم حتى تتبناه جميع المؤسسات ، لما له من أبعاد مختلفة وما يكتنز من تصورات لا يتفق عليها الجميع ، ولكي يتم إدراج المفهوم في التعليم فمن الضروري مناقشة المفهوم وتحدياته والعمل بشكل مشترك للوصول إلى صيغ مقبولة بحيث يمكن الانطلاق وبناء آليات عملية لتطبيقها .
إن التعليم من أجل المواطنة العالمية أحد المجالات الإستراتيجية التي يتمحور حولها برنامج التربية ” اليونسكو” وهو أحد الأولويات التي أعلنها الأمين العام.
بحسب اليونسكو” هناك تفسيرات عدة للمفهوم إلا أن الشائع أنه ” شعور بالانتماء إلى مجتمع أوسع يتخطى الحدود الوطنية وهو شعور يبرز القاسم المشترك بين البشر ويتغذى من أوجه الترابط بين المستوى المحلي والعالمي والمستويين الوطني و الدولي ، إن المواطن العالمي حسب اليونسكو هو الشخص الذي يسعى في طريقة تفكيره وسلوكه إلى عالم يتسم بالمزيد من العدل والسلام ومقومات البقاء.
ونظرا للقيمة التي تحظى بها قيم المواطنة العالمية فقد خصصت الأمم المتحدة جائزة تمنح لأكثر الناس عطاء للعالم وما هو إلا تكريس لأهميتها ، في حين نجد قوانين حقوق الملكية الفكرية تحث على كشف أسرار الأفكار الخلاقة بعد فترة ، حتى تخدم البشرية بعدها.
2- الدعائم الرئيسية لمفهوم التربية على المواطنة .
تبني المؤسسات التعليمية والمدارس بمختلف مراحلها لأساليب مبتكرة ومتجددة تجعل منها مؤسسة متميّزة تشوّق التلميذ للتفوق والنجاح، والمعلّم للتطوير والإبداع. وهو لا يتطلّب جهداً إضافيّاً من الإدارة أو المعلّم أو أيّ تغيير في استراتيجيّات المدرسة، ولكنّه يرسّخ المادة التعليمية في أذهان التلاميذ ويساهم في بناء شخصياتهم وعلاقتهم بالآخر وبالكون، ويضيف معرفة ومرحاً وروحاً إيجابية شيّقة للعملية التعليميّة برمّتها ويرتكز على الأسس والدعائم التالية :
1- الاتزان العاطفي : والذي يشمل معرفة الذات وتقديرها، والقدرة على فهم المشاعر والتعامل معها والثقة بالإحساس و بالنفس وثقافة العزة، التواصل والتشاور مع الآخرين، القدرة على التحفيز الذاتي، تفهّم الآخرين والقدرة على التعامل معهم والذكاء الاجتماعي، التعمق والتمرّس في مفاهيم ومهارات الحياة والحماية الأساسية.
2- الحس الإنساني : والذي يشمل تحسس احتياجات الآخرين، العمل التطوعي بروح إيجابية ،المبادرة في خدمة الآخرين.
3- القيم الإنسانية : والتي تشمل تطبيق القيم الإنسانية في الظروف الصعبة، التفكير النقدي، الاختيار بناءً على الأسس القيمية، بناء التصرفات والقرارات والتعامل مع الآخرين وفق منظومة القيم .
4- القيادة والتفاعل مع البيئة الكونية : والتي تشمل المبادرة في التغيير الإيجابي والتحفيز له، المشاركة المجتمعية وبناء علاقات لتحقيق أهداف سامية تصب في مصلحة الجميع مع العمل الجماعي واستثماره للدفع تجاه التغيير، تقدير الاختلاف والتعلم من أفضله والبناء عليه، تحمل المسؤولية في المنزل والمدرسة والجهات التي ينتمي إليها و المجتمع.
وهي تصب بشكل مباشر في الأبعاد المفهومية الرئيسية للتعليم من أجل المواطنة العالمية والتعليم من أجل التنمية المستدامة التي تبنتها اليونسكو وهي :
– المهارات المعرفية: يكتسب المتعلمون المعرفة وملكتي الفهم والتفكير النقدي فيما يخص القضايا العالمية وترابط وتكافل البلدان والشعوب المختلفة .
– المهارات الاجتماعية العاطفية: يشعر المتعلمون بالانتماء إلى إنسانية مشتركة يتبادلون فيها القيم ويتقاسمون المسؤوليات ويتمتعون بالحقوق ويُظهر المتعلمون تعاطفاً وتضامناً مع الآخرين ويحترمون الاختلافات والتنوع.
– المهارات السلوكية: يتصرّف المتعلمون بطريقة فعالة ومسؤولة في السياقات المحلية والوطنية والعالمية من أجل بناء عالم يتسم بالمزيد من السلام ومقومات البقاء.
إن انتماء الإنسان لبلد معين لا يعني عدم اكتراثه بما يحل بالعالم على جميع الأصعدة، وشعوره بأنه مواطن عالمي يعني أساسا احترمه قوانين البلدان التي يزورها لأنه يعتقد بسيادة العدل والنظام.
كما أن التفاعل مع الأزمات كيفما كانت اقتصادية ،اجتماعية ،طبيعية ،هو ببساطة يدخل في سلوكيات المواطنة العالمية.
3-المواطن الصالح في الميثاق الوطني للتربية والتكوين:
انطلاقا من القيم التي تم إعلانها كمرتكزات ثابتة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين والتي يمكن تصنيفها إلى أربعة أقسام كبرى وهي:
قيم العقيدة الإسلامية، قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية،قيم المواطنة، قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.
وانسجاما مع هذه القيم فإن “الوثيقة الإطار للاختيارات والتوجهات التربوية” رسمت الغايات الكبرى للتربية على المواطنة والتي عملت المناهج التربوية على أجرأتها وترجمتها إلى كفايات معرفية ومنهجية، وإلى اتجاهات ومواقف ينتظر أن يكتسبها المتعلمون. وتنبع هذه الغايات والمواقف من الحاجات المتجددة للمجتمع المغربي، ومن الحاجيات الشخصية للمتعلمين وهي: ترسيخ الهوية الحضارية المغربية والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها، التفتح على مكاسب ومنجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة، تكريس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته، تكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والاكتشاف وتطوير العلوم والتكنولوجيا، التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف، ترسيخ قيم الحداثة والمعاصرة، التمكن من التواصل بمختلف أشكاله وأساليبه والتفتح على التكوين المهني المستمر، تنمية الذوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون والتقنيات، تنمية القدرة على المشاركة في الشأن المحلي والوطني، تنمية الثقة بالنفس والتفتح على الغير، الاستقلالية في التفكير والممارسة، التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي، التحلي بروح المسؤولية والانضباط ، إعمال العقل واعتماد الفكر النقدي، تثمين العمل والاجتهاد والمثابرة والإنتاجية والمردودية، المبادرة والابتكار والإبداع، التنافسية الإيجابية، الوعي بالزمن والوقت كقيمة أساسية في المدرسة وفي الحياة، احترام البيئة الطبيعية والتعامل الإيجابي مع الموروث الثقافي الوطني.
من هو المواطن الصالح الذي تسعى المدرسة المغربية إلى تكوينه؟

يمكن حصر مواصفاته كالآتي:
إنه الإنسان الفعال في بيئته المحلية ومجتمعه الوطني والمجتمع الإنساني كله؛ الشخص الذي يؤمن بحريات الأفراد وبالمساواة بين الجميع التي تكفلها الشرائع والقوانين الجديدة ،الشخص الذي يعتقد بأننا عيش في عالم متغير ويتقبل الحقائق مع الأهداف والقيم الاجتماعية السائدة ، شخص يصدر الأحكام والآراء البناءة التي تمكنه من العمل بفاعلية في العالم المتغير الذي يعيش فيه، هو الشخص الذي يقبل تحمل المسؤولية للاشتراك في عملية صنع القرارات العامة عن طريق التمثيل السليم، هو الذي ينمي لديه المهارات، ويكتسب المعارف التي تساعده على حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية التي تواجه المجتمع الذي يعيش فيه، الشخص الذي يفتخر بانتمائه لأمته ووطنه، ويقدر في الوقت نفسه ما قدمته وتقدمه الشعوب الأخرى في سبيل صنع الحضارة الإنسانية، الشخص الذي يبقى على دراية تامة بأثر التطورات والمكتشفات العلمية مع تقديرها ومعرفة أثرها على تقدم البشرية جمعاء، الشخص الذي يرى في استخدام الفنون الإبداعية وسائل للتعبير الإنساني وتنمية الشخصية السوية ، يعي أهمية الفرص الاقتصادية في حياة الناس كافة؛ يعتز بأمته وبثقافتها وحضارتها وبقضاياها(التنمية، التحرر…)؛ يؤمن بضرورة التعايش بين الدول والحد من المنافسة والصراعات، وبضرورة تشجيع التعاون الدولي؛ يكتسب المبادئ الديمقراطية السلمية، ويحاول تطبيقها في حياته اليومية، يعي المشكلات والقيم السائدة في مجتمعه وأمته، يعرف شؤون مجتمعه ويهتم بها، ويبرهن على هذا الاهتمام عمليا، يؤمن بأن له حقوقا ينبغي الحصول عليها وواجبات ينبغي عليه القيام بها، يعتز بكرامته، يؤمن بقيم التسامح والتعايش.

ومع ذلك فالتربية على المواطنة سواء وطنية أو عالمية هي الإحساس بما يدور داخل الوطن وخارجه – العالم – دون النظر إلى الحدود السياسية أو الجغرافية التي وضعها البشر، إذ لا يمكن لإحداهما أن تستقيم دون الأخرى .
المواطنة العالمية التي نحتاجها اليوم هي مرحلة تأتي بعد المواطنة الصالحة في أوطاننا لأن ما نحتاجه اليوم هو التعصب للقيم الإنسانية وليس للأديان السماوية أو للأحزاب السياسية أو للأندية الرياضية حتى نكون أكثر اعتدالا وتسامحا، فالإنسان اليوم هو من يقوم على خدمة جميع من على الأرض.

تعليق واحد

  1. احييك استاذي الفاضل على طرح هذا الموضوع لانه بمتابة تاشيرة الى صفحات مفهوم المواطنة وتوسيعها على الصعيد العالمي عوضا ان تسجن في الوسط الوطني لكل رقعة من بقاع الارض ويبقى مفهومها ضيق المجال. احييك واحيي صرير قلمك للاذان الصاغية والعقول النيرة.9

زر الذهاب إلى الأعلى
مستجدات
تعازينا الحارة في وفاة الفقيد عبد الله غزالي اخ الاعلامي خالد غزالي شاركت وزيرة التضامن والادماج الإجتماعي والأسرة في أشغال قمة الابتكار الرقمي ببوخاريست إسدال الستار على دوري رمضان للمركبات السوسيو رياضية للقرب بإقليم الخميسات أكادير : إفطار جماعي لفائدة ممثلي الديانات الاسلامية واليهودية والكاتوليكية من طرف مؤسسة سوس ماسة لل... سلا : نظمت الجمعية الرياضية السلاوية للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر بشراكة مع المبادرة حفلا بمناسبة ا... الدار البيضاء: فتح بحث قضائي في واقعة تعنيف سيدة لإبنتها ذات ال 7 سنوات في الشارع العام سلا : أسدل ستار فعاليات إختتام المهرجان الوطني التراثي من تنظيم جمعية 2 مارس بمدينة سلا الرباط: عائلات بلا ماء ولا كهرباء. مسؤول منتخب يسأل سؤال كتابي حول مصير طلبات إدخال عدادات الماء وال... دشنت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة مركز اطفال التوحد بإبن جرير تهنئة بمناسبة عيد ميلاد الدكتور جمال أحمد حسين سفير السلام