ماذا تفعل المواقع الإباحية بالأذواق الجنسية وعقول الشباب؟

[[ نهى بريس ]]25 أكتوبر 2015 مشاهدة
ماذا تفعل المواقع الإباحية بالأذواق الجنسية وعقول الشباب؟
xxx
في سنة 2003، قام ‘’بيتر مورلي سوتر’’، وهو مراهق بريطاني يهوى رسم الرسوم المتحركة الكاريكاتورية رفقة شقيقته الصغرى، بنشر رسومات تحاكي السّلسلة الكرتونية الأمريكيّة الشّهيرة ‘’كالفن وهوبز’’ (وهي سلسة تدور حول مغامرات طفل يبلغ 6 سنوات رفقة صديقه الذي هو عبارة عن لعبة نمر)، وهي تُظهر الاثنين عاريين تماما وهما يمارسان الجنس على شخصية كرتونية، حيث غرّد ‘’بيتر سوتر’’ على رسومه عبر الأنترنت قائلا: رسم كاريكاتوري يظهر تعبيرا مؤلما…’’، معلّقا “المادة 34: إذا كانت هناك إباحية، فليس هناك أي استثناءات”. يبدو أن المادّة 34 هي مجرد مغالاة، وذلك بسبب علمنا بحقيقة الكمّ الهائل من مختلف الفواحش وأفلام الخلاعة التي يمكننا العثور عليها بكل سهولة داخل الأنترنت التي انتشرت كالنار في الهشيم، حيث تبدو الآن وكأنها حقيقية. إنّ الصّور والأشرطة المنشورة على المواقع الإباحية التجارية وقنوات ‘’توبس’’ (Tubes) الرقمية الشديدة الانتشار، تنضوي على محتويات إباحية للمحترفين والهواة بصفة مجانية، ممّا يكسبها الكثير من الأموال من خلال الإعلانات التي يتم ربطها بمئات كلمات البحث على الأنترنت التي تتعلق بصفات الممثّلين الإباحيين، حيث يتم تصوير وعرض تصرّفاتهم وخصائص أجسامهم. فاليوم لا توجد أي غرابة في أن يمتلك أحد المختلين موقعا إباحيا خاصا به !
عالم مفتوح للإباحة ‘’الأنترنت مسخَّر للإباحة’’، كانت هذه كلمات أغنية معروفة تغنّى في الشوارع الأمريكية، وهي تبيّن بعدا آخر مبالغ فيه يعكس جوهر الحقيقة. لقد اعتمد كلّ من عالمي الأعصاب ‘’أوجي أوكاس’’ (Ogi Ogas) و’’ساي كدام’’ (Sai Gaddam ) على مجموعة من المصادر المتنوّعة لمعرفة واستبيان نسبة المواقع المتخصّصة في الصناعة الإباحية على الأنترنت وكيفية الوصول إلى هذه المواد، وقد تمّ نشر نتائجهما في كتاب يحمل اسم ‘’مليار فكرة شريرة’’ (A Billion Wicked Thoughts)، حيث قاما بإحصاءٍ شاملٍ لمليون من المواقع الإباحية التي تعدّ الأكثر زيارة على الأنترنت في العالم، والمدرجة من قبل شركة ‘’أليكسا’’ (Alexa) المتخصّصة في تحليل بيانات شبكة الأنترنت، حيث وجدوا أن نسبة المواقع المخصّصة للإباحيات في الأنترنت تشكّل %4 من إجمالي محتوى الشبكة، فهناك الكثير من المواقع غير المتخصصة التي يقوم فيها المستخدمون بتجميع الصّور والمقاطع التي تنضوي على محتويات إباحية. قد قام السيدان أوكاس’’ و’’ساي كدام’’ أيضا بتحليل بيانات جميع عمليّات البحث المتعلقة بـ434 مليون مستخدم من الذين دخلوا الأنترنت ضمن برنامج ‘’دوكبايل’’ (Dogpile)، وهو موقع يتخصّص في مراجعة نتائج عمليّات أكبر محرّكات البحث الرقمي على الأنترنت، ما بين يوليوز 2009 وفبراير 2011، والتي أبانت على أن نحو 49 مليون منهم ممّا يشكّل 11٪ تقريبا، كانت لهم نية جنسية إباحية واضحة. فيما تشير بيانات أخرى تحتوي على 3 أشهر من عمليات البحث التي قام بها 660 ألف عميل لشركة التكنولوجيا ‘’إي أو إل’’ (AOL) الأمريكية العملاقة، إلى انتشار ملحوظ للإقبال على المواقع الإباحية، حيث مكّنتهم خدمة الأنترنت ‘’أي إس بي’’ (ISP)، التي أطلقت سنة 2006، من البحث عن كلمات لها علاقة بالمواد الإباحية عن غير قصد، حيث كانوا في معظم الأحيان يبحثون عن أشياء مثل الملابس الداخلية أو الأدوات الجنسية، وقد تمّ تحديد عدد الباحثين عن المحتويات الإباحية بمعدّل عُشر مجموع زبناء الـ’’إي أو إل’’ (AOL). هذا بالإضافة إلى بيانات ‘’بورن هاب’’، وهو أحد أكبر المواقع التجارية الإباحية في العالم، والذي ساعد في فهم الميولات الإباحية لكل من الجنسين، حيث أظهرت النتائج أن النساء أقل إقبالا على المواقع الإباحية مقارنة مع الرجال، فيما صرّح موقع ‘’بورن هاب’’ أن النّساء يشكّلن الرّبع من مجمل زواره، وهن يقمن بمشاهدة نفس المحتويات الإباحية التي يراها الرجال، بحيث تزور النّساء موقع ‘’بورن هاب’’ والمواقع الأخرى الشبيهة به بوتيرة أكثر، مقارنة مع زيارتهن للمواقع الإباحية التي تستهدف النساء فقط. فمثلما حاول الإنسان القديم نحت رسومات خليعة على جدران الكهوف أثناء العصر الحجري، تم استخدام وسائل الإعلام الجديدة اليوم في سبيل نشر الثقافة الإباحية على نطاق واسع. لقد شخصت بعض الصور والأفلام مظاهرة الإباحية القديمة، ولكنها كانت باهظة الثمن. ففي منتصف القرن التاسع عشر، أي قبل ظهور الصور والطابعات، كان سعر الحصول على صورة عاهرة عارية يكلف أكثر من أجرة عملها بكثير، ولكن في سنة 1953، وبمجرد إطلاق ‘’هيو هفنر’’ (Hugh Hefner ) لمجلة ‘’بلاي بوي’’ (Play Boy) الشهيرة التي انضوت على صورة للممثلة ‘’مارلين مونرو’’ (Marilyn Monroe)، وهي عارية تماما، بدأت المواد الإباحية في عملية اكتساح الأسواق العالمية بشكل هائل. ومع حلول الثمانينيات، أتاح انتشار شرائط الفيديو إمكانية مشاهدة شريط يتضمن محتوى إباحيا بداخل البيت، حيث انتصرت شركة ‘’في أتش إس’’ (VHS) على شركة ‘’بيتامكس’’ (Betamax) بسبب قرار شركة ‘’سوني’’ (Sony) القاضي بمنع رواد الصناعة الإباحية من استغلال تكنولوجيتها في سبيل الإنتاجات الخليعة الضخمة.
هجوم الخلاعة لقد أطلقت الخلاعة المتنامية العنان لموجة كبيرة من الذّعر المعنوي، تدخّل فيها تحالف اليمينيين واليساريين والجماعات النّسائية والمحافظين المتديّنين، حيث خلصت لجنة فدرالية أمريكية انعقدت سنة 1986 إلى أن المواد الإباحية تهين المرأة وتحرّض على العنف وتلحق ضررا بالغا بالمراهقين، كما أنها تمثّل ‘’خطرا واضحا وقائما على صحّة الأمّة الأمريكية’’. ثم مع مرور الوقت، كُشف أن كل تلك النتائج كانت جد تخوّفية ومستبقة، حيث ارتفعت مكانة المرأة الغربية، كما أنه سجّل في تلك الفترة انخفاضا في معدّل الاغتصاب والعنف المنزلي والحمل في سن المراهقة في جميع أرجاء العالم الغربي. فيما ساهمت مجموعة مختلفة من الدراسات في دفع بعض البلدان الغربية إلى تشريع المزيد من القوانين التي تؤطر الحرّية الإباحية، مشيرين إلى أن الزيادة في انتشار المواد الإباحية على نطاق واسع قد يساهم في انخفاض معدلات العنف داخل مجتمعاتهم. أمّا الآن، فقد تجاوزت الخلاعة صفحات المجلاّت النسائية ولقطات الأفلام الإباحية، والنتيجة هي تفشي الهلع الإباحي. لقد دفعت المحتويات الجنسية المجّانية التي توفّرها المواقع الخليعة والمدوّنات الرقمية للهواة، بالتجاريّين الإباحيّين إلى إنتاج المزيد والمزيد من محتويات الخلاعة والعريّ بكم هائل، وذلك في سبيل بقائها في الميدان. تتموقع جلّ المواقع الإباحية الضّخمة في روسيا وأماكن أخرى ينعدم فيها القانون. لقد ساهم انتشار أجهزة اللّوحات الرّقمية وتطبيقات الهواتف الذكية في جعل عمليّة مشاهدة المحتويات الإباحية أمرا في غاية السهولة والخصوصية داخل غرفة النوم مثلا، أو في مكان العمل أو على أرضية الملعب، حيث يبرع جيل اليوم التكنولوجي في تجنب المحتويات المفلترة بفضل الخدمات الرقمية للشبكة الافتراضية الخاصة الـ ‘’فيرتكال برايفت نيتوورك’’ (VPN). يستمر مناهضو انتشار الإباحية في تكرار نفس الحجج السابقة: ففي إيسلندا مثلا، التي فعّلت مؤخّرا قانونا (غير قابلة للتطبيق) يحظر انتشار المواد الإباحية عبر الإنترنت، يقوم النّشطاء بربط تفشي المواد الإباحية مع العنف الجنسي والحط من قدر المرأة وتأذّي لأطفال. فيما يبدي آخرون تخوفات جديدة. لم تتضمن تعليقات منتدى ‘’نو فاب’’ (NoFap) أي نوع من الاعتراضات الأخلاقية أو الأضرار المحتملة التي يمكن أن تلحق بالآخرين بسبب انتشار المحتويات الإباحية، ولكنّهم تطرّقوا إلى الأضرار التي تصيب المستهلكين بأنفسهم. لقد كشف العديد من الأعضاء داخل المنتدى أنهم أصبحوا مدمني إباحيات بسبب مشاهدتهم لها عندما كانوا في مرحلة مبكرة من سن المراهقة، أما آخرون فقد قالوا إنهم لم يعودوا قادرين على الانتصاب أو الوصول إلى النشوة الجنسية بدون مشاهدة الأشرطة الإباحية. إن أكبر المخاوف هي تلك التي تتعلق بالمراهقين الذين أصبحوا يشاهدون كماّ هائلا من المحتويات الإباحية، لدرجة أنها أصبحت أنشطة جنسية معتادة بالنسبة إليهم، فهل سيخفقون في فهم مدى زيفها؟ لقد أضحت النّجمات الإباحيات الآن أكثر فتنة وإثارة وجاهزية، فيما يبرع الممثلون الذكور الموهوبون المروّعون في إبهار مشاهديهم من المراهقين بأجسادهم المفتولة والثقة العالية بالنفس الزائدة بشكل فظيع. تعتقد ‘’ميغ كابلن’’ (Meg Kaplan)، وهي طبيبة نفسانية من جامعة كولومبيا الأمريكية، وتتعامل مع المراهقين المدانين بجرائم جنسية، بأن بعض الميولات الجنسية تتشكّل خلال سن البلوغ، وهذا ما يعني أن استهلاك المحتويات الجنسية البذيئة أو الغريبة في أوقات عمريّة مبكرة، يمكن أن يسبب مشكلة نفسية تستمر لمدى الحياة. مخاوف عميقة لقد أثار هذا التحوّل الاجتماعي الهائل مخاوف عميقة. قد يظن البعض أنها كانت بسبب انهيار صرح البحوث العلمية المتخصّصة العالية الجودة، إلا أن هذا قد يكون غير صحيح. في سنة 2013، قامت مفوضيّة الأطفال في إنجلترا بتحديد آثار المواد الإباحية على الشباب الإنجليزي، وقد خلصت إلى أن هذه المواد تؤثر عليهم بطرق سلبية، ولاسيما من خلال تكوين تصوّرات مزيفة وغير واقعية عن حقيقة الجنس برمّته. لقد استخدم الفريق عناوين ومراجع للتحقق من حوالي 2304 ورقة علمية حول الموضوع، إذ تمّ فرز 276 ورقة، فيما دُحض ما تبقّى منها، حيث أكّدوا أنّ 79 منها فقط هي من قدّمت أدلّة وبراهين علمية ذات جودة عالية. يتردّد مُموّلو البحوث العلميّة في بريطانيا ومناطق أخرى في التطرق إلى المواضيع الجنسية، ناهيك عن المواد الإباحية. تقول عالمة الأعصاب الأمريكية ‘’نكول بروز’’ (Nicole Prause) إن المسؤولين داخل ‘’مؤسسات الصحة الأمريكية’’ (NIH) ينصحون المتقدّمين بطلبات تمويل البحوث العلمية، بتجنّب استخدام كلمة ‘’جنس’’ ضمن طلباتهم، حتى ولو كان موضوع البحث يتعلّق بالجنس. لا تحتوي أجهزة الحواسيب التي تم اقتناؤها بتموين من مؤسسات الصحة الأمريكية على أي صور أو أفلام إباحية، مما يطرح السؤال حول الطريقة التي يفترض بالعلماء الجنسيين أن يسلكوها للاستمرار في عملهم والإتيان بنتائج حاسمة. لقد كشفت الدكتورة ‘’كابلان’’ أنها ناضلت لسنوات من أجل الحصول على تمويل من أي مصدر في سبيل إجراء دراسة حول مرتكبي الجرائم الجنسية اليافعين، فحتّى البحوث العلمية في مجال الأداء الجنسي البشري الطبيعي هي جد نادرة، فهل هناك أمل في فهم كيفية سير الأمور بالاتجاه الخاطئ؟ تتساءل الدكتورة. إنّ أفضل طريقة لدراسة تأثيرات المواد الإباحية على الأفراد هي وضع مجموعة عشوائية من الناس تحت المراقبة، بحيث يكون نصفهم معتادا على مشاهدة المواد الخليعة، أما النصف الثاني فيفترض أنه متعوّد على مشاهدة برامج السيّارات أو مختلف البرامج الرياضية، ممّا سيمكّننا، مع مرور الوقت، من تدوين التغيّرات الجوهرية التي ستطرأ على مواقفهم وسلوكياتهم جميعا. لقد سعى العالم الأمريكيّ ‘’نيل مالاموث’’ (Neil Malamuth) من جامعة كاليفورنيا، إلى استخدام نفس المنهجية من أجل إثبات أنّ التعرّض للمواد الإباحية العنيفة يؤجّج المواقف المعادية للمرأة. عندئذ، بدأت اللجان الأخلاقية تضيّق الخناق على مثل هذه الدراسات، بل تجاوزت ذلك إلى لوم مقترفي الجرائم الجنسية بسبب الإباحة المقدّمة من طرف أحد العلماء، ولكنها -وبشكل غير عادل-ستكون بمثابة كارثة تعصف بالعلاقات العامة وقطاع المالية.
صعوبة دراسة التأثير على الشباب ولذلك، فإن معظم الدراسات المتعلقة بالإباحة الجنسية لا تذهب إلى أبعد من سؤال الناس حول عدد المرات التي يشاهدون فيها المواد الإباحية وتفاصيل أخرى. لقد وجد الباحثون أنّ الناس الذين يُقبلون على مشاهدة الإباحيات بوتيرة مرتفعة، هم أولئك الذين يواجهون مشاكل عويصة في حياتهم الجنسيّة، كفقدان القدرة على الانتصاب، بالإضافة إلى العديد من المشاكل الاجتماعية والطبية الأخرى. إن المقبلين على هذه المواد بكثرة هم أكثر عرضة ليصيروا ناشطين جنسياّ في أوقات مبكرة من مراحل عمرهم، ولكن لا أحد يعلم بالتحديد ما الذي حلّ بهم أوّلا.إن دراسة الفئة الشابة هي مسألة صعبة على وجه الخصوص، لأن عرض المواد الإباحية أمام القاصرين هو عمل مخالف للقانون في معظم الأماكن، وهذا يعني أنه ينبغي على العلماء أن يعتمدوا على الشهادات الذاتية. ولكن المراهقين نادرا ما يتحدّثون عن أمورهم الخاصة بانفتاح مع البالغين، ناهيك عن الأمور الجنسية المحرجة، إذ يعمد العلماء إلى سؤال أولئك الذين لم يقوموا بمشاهدة الإباحيات بالفعل، ولكنهم سمعوا عن هذا الأمر عن طريق زملائهم في المدرسة، وبالتالي فإن نتائج مثل هذه الدراسات الاستقصائية في هذا الشأن، قد تكون بعيدة عن الواقع، مثل دراسة ‘’بان يوروبيان’’ (Pan-European ) التي تم إنجازها سنة 2010، والتي وجدت أن 14 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و16 سنة، قاموا بمشاهدة محتويات إباحية خلال سنة 2009، وقد استبقت الدّراسة أجهزة الآيباد والهواتف الذكية، والتي جعلت من عملية الولوج إلى المحتويات الإباحية أمرا بالغ السهولة. هذا بالإضافة إلى الكمّ الهائل من الخلاعة والإباحة المتواجدة مجّانا على شبكة الأنترنت. فيما اختار باحثون آخرون سؤال الطلبة الجامعيين عن رؤيتهم للمواد الإباحية لأول مرّة في حياتهم، في محاولة لضمان دقّة البيانات وجِدّة النتائج.
شبح الإدمان إن أكثر التخوفات التي تثير قلقا كبيرا هي أنه يمكن للمستخدمين أن يصيروا مدمني إباحيات تماما مثلما يدمن آخرون على المخدّرات. فخلال شهر مارس الماضي، نشرت مؤسستا ‘’شايلد لاين’’ (ChildLine) و’’إن إس بي سي سي’’ (NSPCC)، اللتان تعدّان أكبر الجمعيات الخيرية لرعاية الأطفال، دراسة تشير إلى أنّ كلّ طفل، ضمن عشرة أطفال بريطانيين ما بين سن 12 و13 سنة، يعاني من ‘’الإدمان على الإباحيات’’. إذ تم إنجاز الدراسة من طرف شركة تتخصص في إنتاج المعدّات الرياضية، حيث وقّع العشرات من الأكاديميين والتربويين الجنسيين على رسالة مفتوحة يصرّحون فيها بأنّ الدراسة لم تنضوي على ‘’دلائل بإلحاق ضرر فعلي، ولكنها قدّمت دلائل كافية على أن بعض الشّباب يخشون من الضرر الذي يمكن أن يلحقه بهم بسبب مشاهدتهم للمواد الإباحية’’. تشير البراهين إلى أنّ الإدمان على الإباحيّات هو أمر نادر الحدوث، هذا إن كان موجودا فعلا. لقد قام العالم ‘’فاليري فون’’ (Valerie Voon) من جامعة كامبريدج، بدراسة 23 رجلا ممّن يعانون من مشاكل عويصة بسبب إقبالهم على مشاهدة المحتويات الإباحية: لقد فقد بعضهم العمل أو الزوجة بسبب عدم السيطرة على مشاهدة الإباحيات، أمّا آخرون فقد أنفقوا مبالغ كبيرة على خدمات المواقع الإباحية أو كشفوا أنّهم لا يستطيعون الوصول إلى ذروة النشوة الجنسية بدون مشاهدة الخلاعة. لقد أظهرت عمليات مسح وفحص أدمغتهم وهم يشاهدون هذه المواد، أنماطا من السّلوكات الإدمانية، كما أن بعضهم أبدى العلامات الكلاسيكية للإدمان: فعلى الرغم من حرقتهم وشوقهم الشديد من أجل مشاهدة المواد الإباحية، إلا أنهم لم يعودوا يستمتعون بمشاهدتها كما في السابق. هذا وقد خلصت دراسة أخرى حول ‘’النزعة التنبيهية’’ إلى أن معظم المتعوّدين على الإباحيات يتفاعلون مع صور الخلاعة بسرعة غير طبيعية، وهو الأمر الذي يعتبر سلوكا إدمانياّ كذلك. ولكن وعلى الرغم من هذه المجموعات التي تأثرت بشدّة بسبب استهلاكهم للإباحيات، يرى الدكتور ‘’فون’’ اختلافا كبيرا في استجابات الدماغ. لقد قامت الدكتورة ‘’بروز’’ أيضا بمسح أدمغة الرجال والنساء الذين وصفوا أنفسهم بأنهم يشاهدون المواد الإباحية بوتيرة كبيرة، حيث لم تَخلص إلى أي صلات تربط العدد والمشاكل التي ظنّوا أنهم يواجهونها بسبب إدمانهم على مشاهدة الإباحيات. قد تكون المواقف المتحفّظة أو الخلفيّات العائلية والدينية هي العوامل التي تزيد من الإفصاح عن المشاكل التي تتعلق باستخدام المواد الإباحيّة، حيث تقول بروز: ‘’مع استخدام الإباحيات، يعمد الناس إلى قول إنهم مدمنون فقط عندما يعجبهم ذلك’’. يقول ‘’إيان كيرنر’’ (Ian Kerner)، وهو معالج جنسي ومؤلف كتاب ‘’دليل الرجل لإرضاء المرأة’’ (She Comes First: The Thinking Man’s Guide to Pleasuring a Woman): ‘’إن الزبناء هم أكثر تخّوفا منّي’’. لقد صرّح العديد من مستخدمي الإباحيات على الأنترنت إلى أنهم يعانون من انخفاض في الرغبة الجنسية، وأنهم يواجهون صعوبات في عملية الانتصاب والوصول إلى أوج النشوة الجنسية، كما أقرّوا أنهم أصبحوا مدمنين على مشاهدة هذه المواد. ولكن هناك إمكانية بسيطة لحل مشاكلهم. لقد طلب الدكتور ‘’كيرنر’’ من عشرات المرضى أن يمتنعوا عن مشاهدة الإباحيات على الأنترنت لبضعة أسابيع، والنتيجة كانت تراجعا كبيرا في ممارسة العادة السريّة، حيث احتاج المرضى إلى القيام بمجهود كبير من أجل عملية التخيل بدون القيام بتشغيل الأقراص المدمجة (DVD) أو شراء المجلات، حيث لاحظ معظمهم أنه استرجع طاقته الجنسية الطبيعية. يقول ‘’جيفري ميلر’’ (Geoffrey Miller)، وهو طبيب نفساني في جامعة نيو مكسيكو، إن التأثير الأكثر شيوعا لعادة مشاهدة الإباحيات هو الميل نحو مشاهدة التلفاز بوتيرة أقل، ولكن بعض الرجال ممن اتصلوا ببرنامجه المتعلق بالجنس، قاموا بالإشارة إلى أنهم اختاروا التّخلّي عن ممارسة الأنشطة والعلاقات الجنسية الطبيعية، وهم يشاهدون محتويات إباحية بوتيرة مرتفعة. لقد قاموا بالسؤال عن الطريقة التي قد تمكنهم من قلب حياتهم رأسا على عقب وإيجاد شريكات لهم، حيث أوصاهم الدكتور ‘’ميلر’’ بتتبع بعض الخطوات البسيطة، بدءا من ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي أفضل والقيام بالتدريبات الذهنية وتنمية معارفهم العامة، ‘’مما يرفع من قيمة شريكاتهم’’، فالبدائل السهلة للملذّات الواقعية ليست هي السبب في مشاكلهم’’، كما يقول ميلر، ‘’ولكنها تجعلهم ملازمين لنفس المنوال الشبقي’’. هناك مخاوف من تزايد الأذواق الشاذة لبعض مستخدمي المواقع الإباحية على شبكة الأنترنت، وهو الأمر الذي يُتوقّع أن يشكّل خطرا حقيقياّ على المراهقين، في وقت تبدو فيه الأذواق الجنسية للبالغين مستقرّة وعادية. لقد اكتشف ‘’أوكاس’’ و’’كادام’’ أن أغلبية الباحثين عن المواد الإباحية على الأنترنت لهم اهتمامات جنسية مستقرّة (كالأطراف الجسدية والأداءات الجنسية وخصائص الممثّلين الإباحيين…)، فخلال الأشهر الثلاث التي قام فيها برنامج ‘’أي أو إل’’ (AOL ) بتغطية بياناته، تم الكشف عن أن 56% ممن قاموا بعمليات البحث عن المحتويات الإباحية داخل الأنترنت استخدموا كلمات تندرج ضمن فئة جنسية واحدة فحسب. لقد كان معدّل متوسّط الفئات هو 1، فيما قام 1% منهم فقط بالبحث عن كلمات تندرج ضمن عشر فئات أو أكثر. أما بالنسبة إلى الفئات الأكثر استخداما، فقد كانت كلمات لها علاقة بالشباب والأثداء والمهابل والأرداف. إن الاهتمام الذي يطغى على مستخدمي الإباحيات على الأنترنت من الذكور ذوي الميولات الجنسية الطبيعية هو مشاهدة الأفلام الإباحية الخاصة بالمراهقات ذوات الصدور الكبيرة، وذلك حسب نفس الدّراسة.
تأثير سلبي على أخلاقيات غرفة النوم قد يبدو هذا مطمئنا بعض الشيء، ولكن حتى لو كان استخدام الإباحيات لا يغير الأذواق الجنسية لمشاهديه، إلا أنه قد يكون له تأثير سلبيّ على أخلاقيات غرفة النوم. ففي دراسة نشرت العام الماضي، سعى الباحثون في كلية لندن للصحة والطب المداري إلى معرفة ما إذا كانت الإباحيّة تلعب دورا في القرارات التي يتخذها الشباب حول ممارسة الجنس الشاذ. لقد قاموا بإجراء محاورات مع 130 شخصا، ما بين 16 و18 سنة، بطريقة فردية، في حين تمت محاورة آخرين ضمن مجموعات. لقد كشف كلا الجنسين أنه يرجح أن هذه العملية يستمتع بها الرجال، ولكنها جد مؤلمة بالنسبة إلى النساء، خصوصا إن كنّ ‘’متوتّرات’’ أو ‘’قليلات التجربة’’. لقد صرّح العديد من الرّجال اليافعين أنهم يضغطون على شريكاتهم من أجل الموافقة على هذا الأمر، في حين صرّحت الفتيات اليافعات أنه يستمر طلبهن للامتثال لهذا الأمر، وأحيانا عن طريق القوّة وحتّى بعد رفضهن المتكرّر. لقد أشار المشاركون في الدراسة إلى أن المواد الإباحيّة ‘’تجعل’’ الذكور يرغبون في ممارسة الجنس بطرق شاذّة. يبدو أن الرّغبة التي يبديها الكثير من الشّباب اليافعين من الذكور حول التباهي بتحقيق إنجازاتهم الجنسية تأخذ طابعا سلطوياّ، إلاّ أن تأثير الإباحية عليهم كان واضحا من خلال فهمهم للجنس بمنظوره العام. لقد طالبهم الباحثون بتسمية كل الممارسات الجنسية التي يعرفونها، حيث أشاروا إلى العديد من الاستعارات الإباحية، مثل ‘’المجموعات الثلاثية’’ و’’انفجار العصابات’’، بالإضافة إلى بعض الممارسات الجد عنيفة والسيئة التي تتضمنها بعض الأفلام والأغاني المصوّرة.
عن ‘’The Economist’’
ترجمة وإعداد: نبيل حانة
error: Content is protected !!
مستجدات