التربية على المساواة و دسترة الحقوق والواجبات

[[ نهى بريس ]]18 مارس 2016 مشاهدة
التربية على المساواة و دسترة الحقوق والواجبات

_1119_bas3

بقلم: ذ. رضوان المسكيني “نهى بريس”

” من شب على شيء شاب عليه ” مثل من كثرة تكراره حفظناه عن ظهر قلب ، و يهدف إلى معنيين لا ثالث لهما، مفاده أن التربية التي تلقيناها منذ نعومة الأظافر هي التي تحدد انتماءنا إما لأصحاب اليمين أو لأصحاب الشمال، لماذا لا نتمعن جميعا  مكنونات هذه العبارة وما تحمله طياتها من سر دفين ؟ ألم يحن، الوقت للوقوف تأملا على ما فاتنا ؟
مازالت نفس الأسئلة تتراقص في مخيلتي بل في مخيلتنا جميعا وهي في حد ذاتها موضوع للنقاش ، أليس سبب معاناتنا راجع إلى  ما تجرعناه منذ الصبا ؟ ألم تلعب الثقافة الشعبية – الهدامة- دورا كبيرا في تعلم التمييز بين ما لنا وما علينا ؟
بكل صراحة ما دفعني إلى إثارة هذا الموضوع ، نقاش عابر مع أحد أصدقائي حول الوحدة العالمية وكيف نصل إليها؟ شُد انتباهي بعبارته التي ما زال طنينها يتردد على مسمعي ” عن أي وحدة نتحدث ومازلنا نعيش في مجتمع لا يقدر قيمة المرأة ومازال يناديها ب “لولية حاشاك”.
وها هو اليوم العالمي للمرأة قد عاد كما عرفناه في السنوات السابقة احتفالا وتمجيدا وتهليلا من طرف جميع المؤسسات، تضارب وتداخل ونقد وصراع بين جميع الهيئات فقط حول المكتسبات التي تحققت بواسطة النضال والكفاح ضد من يا ترى؟ هل ضد الرجل ؟ أم ضد المرأة  أم ضدهما معا ؟ إنه الهجوم والهجوم المضاد كما عهدناه في اللعبة الرياضية . أليس هذا نوعا جديدا من التعصب؟ إنه بالفعل التعصب الجنسي للنوع ،متى سندرك أن في هذا التنوع رحمة للعالمين؟
أليس تحرير المرأة مطلبا أساسيا من متطلبات السلام وبواسطته يستقر المناخ النفسي والاجتماعي؟ أليس تحقيق السلام العالمي ونموه رهينا بمشاركة المرأة للرجل في جميع الميادين؟ فلماذا لا ندرك أن سبب هذه الحروب التي حاقت بعالمنا راجع لعدم المساواة بين الجنسين وبدونها يكون أمر اختفاء الحروب مستحيلا ؟
سؤال يتبعه جواب ثم استنتاج  طريقة بيداغوجية علمتها لنا المدارس من أجل اكتشاف ولو بعض الحقائق منها ما خلفته الأسطورة بعاداتها المتأصلة القديمة في مجتمعاتنا  من جهة، وعدم التمييز بين واجباتنا وحقوقنا داخل أوطاننا من جهة أخرى .

1-  الدسترة والفرق بين الحق والواجب :

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه والعيش داخل الجماعة يتطلب علاقات مقننة بواسطة منظومة تتخللها مجموعة من القوانين المدونة والتي كان لها أصل عرفي تطور بتطور المنظومة الاجتماعية في العالم.
و باعتباره  – الإنسان – عضوا في مجتمعه، وجزءا من محيطه، فعلاقته مع من حوله علاقة تفاعل بين طرفين، وذلك يعني وجود التزام متبادل له وعليه، وقد أصبح متداولا أن يطلق على الالتزامات التي عليه مصطلح الواجبات، أي ما يجب عليه تجاه الآخرين، كما يطلق على التزامات الآخرين المفترضة نحوه عنوان الحقوق، أي ما يستحقه منهم. وفي الأصل فإن الحق والواجب يرجعان إلى معنى واحد هو الثبوت، جاء في لسان العرب: حق الأمر يحق ويحق حقا وحقوقا: صار حقا وثبت، قال الأزهري: معناه وجب يجب وجوبا. قال تعالى : (قال الذين حق عليهم القول): أي ثبت. وقوله كذلك: (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) أي وجبت وثبتت.
وعن معنى الواجب والوجوب أيضا في لسان العرب يقال: وجب الشيء يجب وجوبا إذا ثبت، ولزم فالحق له في اللغة معان كثيرة ترجع إلى مفهوم واحد، وجعل ما عداه من معانيه من باب اشتباه المفهوم بالمصداق، وذلك المفهوم هو الثبوت تقريبا، فالحق بمعنى المبدأ هو الثبوت، والحق بالمعنى الوصفي هو الثابت، وبناء عليه فإن الحق والواجب يؤديان معنى واحدا،  يدفعنا جميعا إلى القول إن الحقوق هي الأشياء الثابتة على الإنسان للآخرين، أو على الآخرين للإنسان، والواجبات هي الثابتة على الإنسان للآخرين، أو على الآخرين له، فالحقوق واجبات، والواجبات حقوق، والفرق إنما هو في النسبة للإنسان أو عليه.
إن انتظام حياة الإنسان في مجتمعه يقتضي أن يتمتع بالحقوق التي له، وأن يؤدي الواجبات التي عليه، وإذا ما حصل خلل في هذه المعادلة، ينتج اضطراب في حياة الفرد والمجتمع.
وهذا ما نظمه الدستور المغربي لسنة 2011 في بابه الثاني والمعنون بالحقوق والحريات الأساسية وقد أكد الفصل 19 على المساواة بين جميع المغاربة على حد سواء دون تمييز.
” يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز “.
كيفما كانت القوانين برمتها الشمولية فإنها في الواقع عبارة عن تراث هو في الأصل رؤية مستقبلية تجسدت ، ولكن إن وقفنا عند هذا التجسيد ، دون إعادة النظر فيه، فإننا لن نتحرك ، لذلك لابد من صياغة  رؤية جديدة مستقبلية كبوابة أساسية تكرس المفهوم الحقيقي للحق والواجب وإعادة تكريسه دستوريا وتربويا ووجدانيا.

-2التربية على المساواة مابين التطبيق والتصديق .

أغلب الآراء تتفق على أن التربية علم وفن وإذا ما تحدثنا عن التربية والمساواة فالأساس يقتضي بناء جيل يؤمن بالمساواة بين الجنسين في وعيه أولا وسلوكه ثانيا،والذي لا يتأتى إلا بالتواصل مع الذات وتربيتها من أجل تغييرها وكبحها والخروج بها من النظري إلى التطبيقي .
إن تربية الذات تتطلب التغيير وهو في حد ذاته مدخل أساسي لتغيير الواقع مما يسمح بوقوع علاقة جدلية بينهما (الواقع – الذات) لأن التربية عملية بناء وتغيير تتطلب الاستمرار والشمولية للأبعاد الثلاثة ،           ( الفكري- الوجداني – السلوكي ) والإنسان لا يصير إنسانا إلا بالتربية الحقيقية .
الإنسان يساوي العقل والروح والجسد فبالعقل يحضر التفكير وبالروح يحضر التأمل والشعور، ولا يمكن لها الاستمرار – الذات-  إلا إذا حققت التوازن بين احتياجاتها المادية والروحية التي تستند على الحرية والكرامة والمساواة وهي ما يسمى بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان لأنها طبيعية ومتأصلة  في البشر تنبعت من  تراث إنساني يمتاز بالشمولية يمكن إجمالها في خمسة حقوق : ( سياسية –  اقتصادية – اجتماعية – مدنية – ثقافية ) .
وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فصله الأول ” يولد جميع الناس أحرارا ومتساوون في الكرامة والحقوق ، وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم البعض بروح الإخاء”.
أما في مادته الثالثة فقد أكد ” لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دون تمييز سواء للجنس أو اللون أو الاعتقاد.  ”
إذا كانت حقوق الإنسان بمواثيقها الشمولية منتوجا فكريا ساهمت فيه جميع المجتمعات من الشرق إلى الغرب وكيفما كان مستوى هذه المساهمة فقد يعزى تعثر أهدافها إلى الشروط السوسيو اقتصادية ، ناهيك عن التربية السائدة التي ساهمت في  “لا مساواة “.
إن سبب عدم تقدم هذا الأمر راجع إلى التمثلات كموروث ثقافي أفرز فئتين متضادتين منها المؤيد و المعارض ، ويبقى الاختلاف حسب الصفات التي تميز الجنسين معا  حسب اعتقادهما.
فإذا كان الرجل يتميز بالذكورة والقوة والخشونة والقدرة والسلطة والقوامة والمسؤولية ، فإن المرأة تتميز بالأمومة والأنوثة والحنان والذكاء والصبر ، إلا أن السؤال الذي وجب علينا طرحه هل هذه الصفات لدى الجنسين مكتسبة أم فطرية ؟
جل الأوساط حقوقية كانت أو جمعوية تعترف أن الصفات مكتسبة وبالتالي فالمرأة تساوي الإنسان زائد أنثى وهذا ما اعتمدت عليه المواثيق الدولية ضاربة الخصوصية الجسدية عرض الحائط بقولها لا تمييز بسبب الجنس . في حين ينظر الطرف الآخر إليها كمخلوق ضعيف لا قوامة له جاء من ضلع أعوج إلى غير ذلك ..
أغلب هذه الحجج تستند إلى موروث ثقافي أو ديني ولٌد للناس ترسبات تحتاج عقودا لإذابتها،  حتى آمنت المرأة وصدقت بدورها تلك الصورة التي رسمها جلادها ، فإذا كانت مدونة الأسرة  في القسم الثاني من الباب الأول المتعلق بالأهلية والولاية في الزواج والذي مفاده ”  للراشدة أن تعقد زواجها بنفسها، أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها ”  فحتى الفتاة لا تقبل أن تعقد زواجها بنفسها ولو كانت راشدة كما خول القانون لها لأن هذا في شعورها الباطن غير مقبول بتاتا بما تمليه الثقافة السائدة .
عناوين كبرى أصبحت تحتل مركز الصدارة في خطاباتنا  اليومية ك (المساواة  والحقوق والديمقراطية )
رغم أننا نرددها جميعا ينقصنا الاقتناع بممارستها في سلوكنا وذلك بتجاوز ما هو فكري إلى ما هو سلوكي ، كما يجب الاهتمام بالذات العارفة والتي تمثل فئة ( الطبيب، الأستاذ ، الإعلامي ، الحقوقي ) وكذلك بالموضوع المعرفي والذي يتمثل في ( القانون ،حقوق الإنسان ، المواثيق الدولية الشمولية ) بالإضافة إلى الاهتمام بالفئة المستهدفة والتي تمثل ( الطفل والأسرة ) وذلك بالتبني الوجداني للمساواة . إن غليان أفكار النّاس في جميع أرجاء العالم بصورة محمومة جامحة والأحقاد الضّارية الّتي تشتعل نيرانها بين الأجناس والعقائد والطبقات، وتهشّم سفينة الأمم، وسقوط الملكيّات وتمزّق أوصال الإمبراطوريّات سببه عدم تحقيق النساء جميع إمكاناتهن فإلى متى هذا الظلم والطغيان؟ وإلى متى هذا الجور والعدوان في حق من ثكلتنا وأرضعتنا ؟؟

error: Content is protected !!
مستجدات