دين و دنيا

حرية المعتقد! …حقاً؟

horyah

بقلم: الدكتور محمد منصوري

هل يمكن للمرأة المغربية أن تتزوج من تونسي؟
طبعا ولم لا!
وهل يمكنها الزواج من فرنسي؟
هل هو من أصل مغربي؟
لا، هو فرنسي ابن فرنسية!
آه! يجب عليه أن يسلم أولا
ولو افترضنا أن الأمر يتعلق بمغربي أراد الزواج من فرنسية، هل عليها أن تسلم أولا؟
ليس ضروريا، فهي من اهل الكتاب…

كان هذا ضمن حديث مقتضب جمعني وأحد الأصدقاء من ذوي الشهادات الجامعية فهو طبيب مثلي. لقد افتعلت هذا الحوار معه ولم أتوقع أن أتلقى منه مثل هذا الجواب التقليدي.ولكن، هذا بالضبط ما ينص عليه القانون المغربي. فالمغاربة، والحمد لله، عندما يتعلق الأمر بالزواج والمرأة لا يفوتهمشرع ولا قانون.ولكل من يتحدث عن حرية المعتقد والتعايش في بلدنا، خصوصا في هذه الآونة، أن يتوقف قليلا عند هذا الحوار البسيط،ويتساءل عن أي نوع منالحرية والتعايش نتحدث؟
أولا،نحن نجزم أن كل مغاربي، وليس فقط كل مغربي، هو مسلم أصلا حتى ولو ولد بفرنسا أو كان يحمل الجنسية الفرنسية. وكل فرنسي من أبناء “الفِرِنْجَة” هو “كِتَابِيٌّ” أو بالضبط “نْصْرَانِيّْ” حتى وإن كان ملحدا، ولا أظن أن الأمر كان سيكون مختلفا إذا تحدثنا عن إسباني أو ألماني. هي فئة بعينها، فأوروبا التي تنورت وأنتجت عصر النهضة وفصلت بين الدين والدولة، لا تزال من أهل الكتاب في عقولنا رغم أن معظم الأوروبيين صاروا يقرؤون في كل الكتب ماعدا ذلك الكتاب. ثانيا، إذا افترضنا جدلا أن الإسلام لا يسمح بزواج المسلمة بغير المسلم، فماذا سيكون ردنا إذا كانت هذه المرأة المغربية اعتنقت دينا غير دين الإسلام أو أنها اختارت أن تكون لا دينية ولا يهمها إن كان من تحبه وتريد الزواج به مسيحيا أو بهائيا أو بوذيا أو لا دينيا كذلك.ثالثا، مرة أخرى هنا الأفضلية هي للرجل،وهذا حديث آخر لا داعي للخوض فيه حتى لا يتشعب الموضوع!إذن، ونحن نتحدث هذه الأيام عن التغيير اللازم في المناهج التعليمية لنبذ العنف والتطرف والتعصب ونشر قيم التسامح والتعايش الديني بين جميع المغاربة كنموذج يحتذى به في المنطقة المغاربية والعربية ككل، أليس منالضروري أن يشمل الحديث أيضا هذه التشريعات والقوانين التي يجب تغييرها بما يكفل حرية المعتقد وحماية حقوق الأقليات الدينية في مجتمعنا؟ وإلا فإن الأمر برمته لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد حركة عابرة أو شعار فضفاض غير قابل للتطبيق.
أعتقد أن المشرع المغربي لحدود الساعة يعتبر المغاربة صنفين لا ثالث لهما: مسلم بالفطرة، وهذه هي الأغلبية، ويهودي أبا عن جد، وهذه فئة قليلة. لذلك نجد أن القوانين والأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية من تسمية ودفن وما بينهما من زواج وطلاق وإرث، تُعبّر حصريا عن هاتين الفئتين وتلتزم بالنص الديني في كلتا الحالتين. وإذا كان مبدأ “التسامح” المتجذر في الثقافة المغربية هو ما سمح لهما بالتعايش لقرون عديدة، فإن مبدأ “حرية العقيدة” بمفهومه المعاصر لم يكن معهودا في المجتمع المغربي،وهو نتاج للتغيرات الحاصلة في المفاهيم والقيم الكونية التي أتت بها العولمة كاختيار تارة وكتحصيل حاصل تارة أخرى. فحتى لو كان الإسلام لا يكره الناس على اعتناقه وبالنص الصريح، فلا أظن أنه، في الماضي القريب، كان يوجد من بين المغاربة من يسمح لأحدٍ من أبناءه أن يبتغي غير الإسلام دينا. وكذلك فعل المشرع المغربي.اليوم، صار لنا دستور يكفل حرية الرأي والضمير، وبات المغرب في مقدمة الدول التي صادقت على الإعلان العالمي لحرية المعتقد وما يتضمنه من حريات فردية وجماعية، فكان من الضروري تنزيل هذه النظم والقيم على أرض الواقع وذلك ليس بالأمر الهين. فالنتيجة المباشرة لهذا الاختيار الشجاع الذي أقدم عليه المغرب هو ظهور فئات دينية جديدة من رحم المجتمع المغربي ستخرج إلى العلن لشعورها بالحرية والأمان،فتنضاف إلى الفئتين السابقتين ويكون لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات. كما ستنشأ فئة لا دينية تطالب بحقهافي عدم الالتزام علنا بأي طقس من الطقوس الدينية أو أي إجراء قانوني منبثق من النصوص الدينية. وهذه هي حرية المعتقد في شكلها المجتمعي. المهم هو أن كل هذه الفئات تعمل كوحدة من أجل تقدم الوطن وضمان الأمن والأمانوالرفاهية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية لكافة المواطنين بغض النظر عن الانتماء الديني أو أية هوية فرعية أخرى.
قد نتساءل عن جدوى هذا التغيير والانفتاح وأهمية التمسك بالتقاليد والعادات ثقافية كانت أم دينية،وعدم الانجراف وراء الأهواء الغربية الدخيلة على مجتمعاتنا والتي قد تفقدنا هويتنا المغربية. أظن أن الجواب هو الزمن. هذا يوم جديد وعصر جديد، وإنسان له من العقل والإدراك ما لم يكن في الإمكان تخيله في عصر هارون الرشيد. أما بالنسبة للهوية المغربية فلا يمكن فقدانها ما دمنا نعتز بمغربيتنا ونربي أبناءنا على قيم المواطنة وحب البلاد التي أنجبتهم ورعتهم حتى اشتد عودهم، مهما كانت الظروف واختلفت المواقف. فهويتنا المغربية تتغير وتتفاعل مع محيطها وتسعى للتأقلم مع مستجدات كل عصر وكل مرحلة ولنا في التاريخ شواهد لا حصر لها، ولكنها ستبقى دوما مغربية. نحن أردنا التغيير ليس لأنه فرض علينا بسبب المنظومة العالمية التي بِتنا نشكل جزءا لا يتجزأ منها، ولأنه لا يمكننا العيش في معزل عن الآخرين. نحن أردنا التغيير لأنه مفتاح التطور وسبيلنا للالتحاق بركب المتقدمين.
لقد قطعنا حقا أشواطا عديدة في مسار التغيير والانفتاح ودمقرطة الحياة السياسية وإعداد دولة الحق والقانون. وراعينا في ذلك كل مكوناتنا الثقافية وإرثنا التاريخي. وافتخرنا أمام العالم بالنهج السلمي الذي سلكناه، متمسكين بوحدة مجتمعنا على اختلاف أطيافه، مدافعين ما استطعنا عن امنه واستقراره. فمن جهة نحن نحاول أن نحارب الجهل بكل أنواعه لنمحو التعصبات المتجذرة فينا، ومن جهة أخرى نسعى جاهدين للرفع من مستوى الفكر من خلال الحوارات السائدة حتى نساعد مجتمعنا على تقبل التغيير البناء الذي يضمن له النمو والرخاء.هي محطة تاريخية أخرى ولكن ليست كسابقاتها، فما سنقرره اليوم سيكون له الأثر الكبير على مستقبل أبناءنا. وقد لا تتاح لنا فرصة أخرى للقيام بذلك.
رجاؤنا أن تستمر هذه المساعي وألا تتوقف، وتكون شاملة دون أي إقصاء. ورجاؤنا أن يستطيع الشعب المغربي بكل أطيافه وفئاته تجاوز الاختلاف في الرأي وتقديم التنازلات التي من شأنها أن تخدم الصالح العام وتحافظ على صلابة المجتمع وتماسكه.فما علينا إلا أن نتشبث بمكتسباتنا الاقتصادية والثقافية ولا نتراجع عن المسار الحداثي والتقدمي الذي سلكناه، في انفتاح على الحضارة العالمية واعتزاز بأصالتنا وإرثنا التاريخي.بهذا، فقط، نستطيع الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة. كم هو جميل هذا المستقبل المشرق… فأرجوكم: لاتحرمونا منه!

نهى بريس

زر الذهاب إلى الأعلى
مستجدات